للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حال مجلس القضاء ملائم لأحوال أهل الزمان الذي هو فيه من حيث البساطة والتكلف، وتطلُّب ما هو زائد على حاجة أهل الزمان ترفٌ يخرج بالقضاء عن أصل معناه، فإن غرض القضاء إقامة القسط والحكم بين الناس بالعدل، فمتى تهيَّأ ذلك لم يُستقص في مكان التقاضي أو هيئة القاضي.

وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه استعمل عمر رضي الله عنه على قضاء المدينة، فمكث سنة لا يتقدم إليه أحد (١). واستقضى عمر رضي الله عنه على الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي فجلس أربعين يومًا ما تقدم إليه فيها اثنان (٢). ويروى عن شريح (ت ٧٨ هـ) أنه قال: لما ولاني عمر رضي الله عنه توجهت إلى الكوفة، فاستقبلني القاضي الذي كان قبلي بالقادسية، فقلت له: ما عندك؟ فقال: أنا جالس منذ شهرين ما تقدم إلي أحد (٣). وكان قاضي القيروان يزيد بن الطفيل ربما جلس للقضاء فلا يأتيه أحد لقلة الخصومات في ذلك الزمان، فينعس القاضي فإذا كان الوقت الذي يعلمون أن القاضي ينصرف فيه سرَّحوا الحمار فيذهب حتى يأتي باب الجامع، فيخرج القاضي فيركبه (٤). بل كان القاضي في أول الأمر ربما استقل بالكفاية على جهة من الجهات أو إقليم من الأقاليم، كقاضي مرو


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ١٠٤)، السنن الكبرى، البيهقي (١٠/ ٨٧).
(٢) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ١٨٦).
(٣) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٣٩٣).
(٤) رياض النفوس، المالكي (١/ ١٧٣).

<<  <   >  >>