الحمد لله الأكرم، الذي علم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأعظم، والمعلم الأقدم، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن في حفظ تاريخ أي علَّم عصمة له من الضياع، وصيانة له من أن تذهب رسومه وآدابه وتدرس مناهجه، ولعلوم الشريعة من ذلك الحظ الأوفى؛ لشدة ارتباطها بالهدي الأول وما كانت عليه القرون الفاضلة من الأحوال الكاملة في العلم والعمل والتربية والتعليم. وهذه الأحوال لم تزل تتناقص بمرور الأزمان وحلول الحوادث العظيمة التي تُذهل الكثير من الناس عن معاناتها وتكبد مشاقَّها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) (١). وقد عرض للأمة في تاريخها من الكوارث والنوازل الفادحة ما كان بقاء العلم معه كرامة من الله تعالى وآية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. فحملات النصارى على الشام ومصر وفادحة التتار والاحتلال الأوروبي البغيض، وما صاحب ذلك من قتل للعلماء وتخريب للجوامع والمدارس والمكتبات وإتلاف للكتب ونهب للثروات العلمية وإخفائها، كلُّ ذلك كان له الأثر البالغ في مسيرة الحركة العلمية عند المسلمين.
ومن الجوانب التي نالها نصيب من هذا التأثر ما كانت عليه مجالس أهل العلم في هيئتها ورسومها واختلاف مقاماتها وأخلاق أهلها، وما يتبع
(١) صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب فضل العبادة في الهرج (٢٩٤٨).