للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كتب إلى أخيه أمير مصر عبد العزيز بن مروان (ت ٨٥ هـ) يعلمه أن أهل الشام اختلفوا عليه في نفقة المبتوتة، فاكتب إليَّ بما عند أهل مصر فيه، فجُمع الأشياخ إلى عبد العزيز فسألهم، وكان يونس بن عطية الحضرمي (ت ٨٦ هـ) في أخرياتهم، فقال له عبد العزيز: تكلم. فتكلم، فأعجب عبد العزيز به فسألهم عنه، فقالوا له: هذا من سادات حضرموت، فولاه القضاء (١).

وكان الحسن بن عبد الله العنبري (ت ٢٢٣ هـ) على مظالم فارس زمن المأمون (ت ٢١٨ هـ)، وكان على خراجها يومئذٍ محمد بن الجهم، فظلم الناس فشكوه إلى المأمون، فأمر بأشخاص الحسن إليه ليشافهه فيه، فلقي المعتصم (ت ٢٢٧ هـ) الحسن وهو داخل إلى المأمون فشفع لابن الجهم، فقال الحسن: ليس عندي في أمره إلا الصدق، فعُزل ابن الجهم. ثم إنه توفي المأمون واستخلف المعتصم، فلما مات قاضي البصرة استدعى المعتصم الحسن من فارس وولاه قضاءها، ثم جرت قضية تصلَّب فيها الحسن على الحق، فكان المعتصم يقول لقاضي قضاته: كيف قد رأيت فراستي فيه؟ والله لوددت أن مكان كل شعرة منه قاضٍ على بلد من البلدان (٢).

واستعدى والي إفريقية يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب (ت ١٧٠ هـ) أبا كريب جميل بن كريب المعافري (ت ١٣٩ هـ) ليوليه القضاء، فتمارض أبو كريب حتى حمل إليه فدخل عليه، فقال له يزيد: والله يا أبا كريب ما أردت إلا الله عز وجل، وأنا أجعلك حسنة بيني وبين الله عز وجل للمسلمين، وتكون لي عونًا على هذا الأمر وتحكم بالحق عليَّ وعلى من هو لي، فاتق الله عز وجل فيما دعوتك إليه من القيام بالحق في المسلمين وفيَّ. فقال له أبو كريب: الله الله أردت بذلك؟ فقال: نعم، فكررها ثلاثًا فقال: نعم، فقال: قبلت. ثم إنه لم تمض أيام يسيرة حتى أتاه متظلم من الأمير فحكم القاضي على الأمير، فانصرف وهو يقول: الحمد لله الذي لم أمت حتى جعلت بيني وبين الله من


(١) أخبار قضاة مصر، الكندي (٣٦).
(٢) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ١٧٤).

<<  <   >  >>