للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يحكم بين عباده بالحق، فقال أبو كريب: وأنا أقول الحمد لله الذي لم أمت حتى رأيت أميرًا يشكر الله على القضاء بالحق عليه (١).

ولما أراد الأمير زيادة الله الأغلبي (ت ٢٢٣ هـ) اختيار قاض لإفريقية، كان كلما عرض على أحد امتنع منه، فجمع القضاة في مقصورة وطلب منهم اختيار قاضٍ، فلما حضرت الصلاة قال لرجل عنده: انظر إليهم وقت الصلاة من يقدمونه يصلي بهم. فقدَّموا أحمد بن أبي محرز (ت ٢٢١ هـ)، فقال الأمير: رضوه لدينهم رضيته أنا للدنيا. ثم أجبره على القضاء، فكان زيادة الله يقول بعد ذلك: من تنقَّص قاضيَّ فإنما تنقَّصني وحلَّ من أمري، وقال مرة لمن حضره: ما أبالي إن شاء الله ما قدمت عليه يوم القيامة، وقد قدَّمت أربعة قبل وفاتي، قيل: وما هي؟ قال: بنائي المسجد الجامع بالقيروان، أنفقت فيه ستة وثمانين ألف دينار، وبنائي القنطرة بباب أبي الربيع، وبنائي الحصن بسوسة، وتوليتي أحمد بن أبي محرز قضاء إفريقية (٢).

ولما حضر الموت قاضي قرطبة محمد بن بشير (ت ١٩٨ هـ) قلق أمير الأندلس الحكم بن هشام (ت ٢٠٦ هـ) واغتمَّ لذلك، فرأته إحدى نسائه في بعض الأماكن يصلي ويدعو ويبتهل إلى الله تعالى أن يوفقه لرجل يكون عوضًا منه فيوليه القضاء بعده (٣). وكان الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي (ت ٢٨٩ هـ) يباهي ويبتهم بقاضي القيروان عيسى بن مسكين (ت ٢٩٥ هـ)، وقال له مرة بعض عماله: نصحتك نصحًا ما نصحك بمثله القضاة، فقال له إبراهيم: ولا عيسى بن مسكين؟ (٤).

ولما مات قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف (ت ٣٢٨ هـ) وجد عليه الخليفة الراضي (ت ٣٢٩ هـ) وجدًا شديدًا حتى كان يبكي


(١) تاريخ قضاة القيروان، الجودي (٥١).
(٢) رياض النفوس، المالكي (١/ ٣٩٦ - ٣٩٨)، معالم الإيمان، الدباغ (٢/ ٤٠).
(٣) قضاة قرطبة، الخشني (٣٧). وانظر في حال الحكم مع قاضيه المصعب بن عمران: المرقبة العليا، النباهي (٤٦).
(٤) طبقات علماء إفريقية، الخشني (١٤٣).

<<  <   >  >>