للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويقول: كنت أضيق بالشيء ذرعًا حتى أراه فيوسعه علي برأيه، ولما عُزِّي فيه قال: والله لا بقيت بعده (١).

فالمراد أن الحكم بين الناس بالعدل أعزُّ ما يطلب في مجلس القضاء، وإنما يذكر الفقهاء ما يذكرونه من شرط القاضي وأدب المجلس لأجل صيانة هذا الغرض وتحصيله، ولما قيل لإسماعيل بن إسحاق القاضي (ت ٢٨٢ هـ): ألا تؤلف كتابًا في أدب القضاة؟ قال: اعدل ومُدَّ رجليك في مجلس القضاء (٢).

٢ - في مجلس القضاء وما يقام فيه من الحقوق إصلاح لأحوال الناس في دينهم ودنياهم وتصحيح لمعاملاتهم، وقد روي عن الحكم بن هشام (ت ٢٠٦ هـ) أنه قضى عليه محمد بن بشير (ت ١٩٨ هـ) في بعض أقضيته، وكان ابن بشير-فيما وُصف-شديد الشكيمة ماضي العزيمة، صلبًا في الحق لا هوادة عنده ولا مداهنة في أحكام السلطان، ولا يعبأ على جميع أهل الخدمة، ولا على من لاذ بالخليفة من جميع الطبقات، فكان الحكم يقول بعد ذلك: رحم الله محمد بن بشير، فقد أحسن فيما فعل بنا، كان في أيدينا شيء مشتبه فصحَّحه لنا وصار حلالًا طيِّبًا فطاب لنا ملكه (٣). وقال له كذلك بعض الخصوم في قضية حكم عليه فيها: يأبي أنت، أردنا أن نأكل الحرام فأبيت إلا أن تجعله حلالًا (٤).

٣ - في مجلس القضاء تطبيق عملي لما يدرسه الفقيه دراسة نظرية، وفي ذلك تصفح لأحوال الجزئيات وما تكون عليه في واقع الأمر، فإذا انضمَّ إلى ذلك ملاحظة ما يجري في مجلس القضاء من المناظرة والمشاورة مما تكلم فيه الفقهاء وسبقت الإشارة إلى طرف منه، عُلم مدى الثراء الفقهي الذي تشهده مجالس القضاء، وقد قال مكحول (ت ١١٣ هـ): (قدمت الكوفة فاختلفت


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٣/ ٢٢٩).
(٢) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٢٨٩).
(٣) قضاة قرطبة، الخشني (٢٩).
(٤) قضاة قرطبة، الخشني (٢٤).

<<  <   >  >>