للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى شريح ستة أشهر ما أسأله عن شيء، أكتفي بما يقضي) (١).

والعلم بالقضاء أخص من العلم بالفقه، ولذا كان القرب من القاضي كالقرب من المفتي، كلاهما مؤثر في استفادة فقه العمليات والنوازل والأقضية، قال ابن عبد السلام الهواري (ت ٧٤٩ هـ): (قال مالك في المدونة: وليس علم القضاء كغيره من العلم، ولم يكن بهذا البلد أحد أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وقد كان أخذ شيئًا من علم القضاء من أبان بن عثمان، وأخذ ذلك أبان من أبيه عثمان رضي الله عنه، هكذا وقع هذا الكلام في المدونة. وفي مجالس ابن وهب: ولم يكن عند أحد بالمدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن محمد بن حزم، قال: كان يتعلم القضاء من أبان بن عثمان بن عفان، وكان أبان قد علم أشياء من القضاء من أبيه. وكان أبو بكر هذا قاضيًا لعمر بن عبد العزيز) (٢).

ولهذا فإن من الملاحظ في تاريخ القضاء في الإسلام اشتهار بعض الأسر بالقضاء حتى ليكاد يغلب على قضاء بلدة فقهاء أسرة بعينها أو أبناء رجل واحد، ككثرة القضاة في بغداد وغيرها من آل حماد بن زيد (ت ١٧٩ هـ)، حتى قال فيهم بعض المؤرخين: لا نعلم أحدًا من أهل الدنيا بلغ مبلغ آل حماد (٣). وقال القاضي عياض (ت ٥٤٤ هـ): (كانت هذه البيتة على كثرة رجالها وشهرة أعلامها من أجلِّ بيوت العلم بالعراق، وأرفع مراتب السؤدد في الدين والدنيا، وهم نشروا هذا المذهب-يعني: مذهب مالك-هناك ومنهم اقتبس) إلى أن قال: (ولم يبلغ أحد ممن تقدم من القضاة ما بلغوه من اتخاذ المنازل والضياع والكسوة والآلة ونفاذ الأمر في جميع الآفاق، فكان لا يبقى أمير في أقطار الأرض شرقًا وغربًا إلا كاتبوهم ونفذت أمورهم على أيديهم، وكذلك كل من كان بالحضرة من أرباب الخراج والأعمال لا يجد بدًّا من أن


(١) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢٢٨).
(٢) المعيار المعرب، الونشريسي (١٠/ ٧٩) مع تصحيح كلمة من فتاوى البرزلي (٤/ ٩)، وكلام الإمام مالك رحمه الله لم أجده في المدونة.
(٣) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٥١).

<<  <   >  >>