للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يصير إلى ما يأمرون به، لا يقدر واحد على أن يدفع أمرهم أو يقصر في حوائجهم) (١).

ومن أسر القضاء المشهورة بيت الصاعدية في نيسابور ومنهم القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبو الفضل الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد (ت ٥١١ هـ)، وبيت الصاعدية بيت علم وفضل ورئاسة (٢).

وسوى هذين المثالين أمثلة كثيرة مشهورة وهي واقعة في سائر المذاهب، حيث يخرج الجماعة من القضاة من بيت واحد بل من دار واحدة، وفي هذا إلماح لأثر اشتغال بالقاضي بالقضاء واشتهاره به، ثم اشتغال ذويه من بعده به في اكتساب صناعة القضاء والدربة عليها والتمرس فيها (٣). بل إن قرب المتفقه من القاضي وكثرة ملابسته لمجالس القضاء أمر من شأنه اقتباس ملكة القاضي ومهارته، متى صادف ذلك محلًا قابلًا له.

وقد حرص الفقهاء على حفظ هذه الثروة الفقهية العالية التي تضمنتها مجالس القضاء فكانت بمثابة السوابق القضائية، وقد جرى العمل في الكثير من الأمصار والبلدان بهذه الأحكام؛ لئلا تضطرب بكثرة تبديلها أحوال الناس. حتى إن قاضي قرطبة المنذر بن سعيد (ت ٣٥٥ هـ) كان ظاهريًّا يحتج بمقالة داود (ت ٢٧٠ هـ) ويجمع كتبه ويؤثر مذهبه، فإذا جلس مجلس الحكومة قضى بمذهب مالك (ت ١٧٩ هـ) وأصحابه الذي عليه العمل ببلده ولم يعدل عنه (٤).


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٢٧٨). ولك أن تنظر في تراجم: إسحاق بن إسماعيل بن حماد (ت ٢٣٠ هـ)، وأخيه يعقوب (ت ٢٤٦ هـ)، وابنه الفقيه القاضي الإمام إسماعيل بن إسحاق (ت ٢٨٢ هـ) الذي تفقه به مالكية العراق في وقته، وحفيده محمد بن حماد بن إسحاق (ت ٢٧٦ هـ) ولي قضاء البصرة وغيرها، وابن أخيه يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد (ت ٢٩٧ هـ) ولي قضاء بغداد، وقاضي القضاة عمر بن محمد بن يوسف (ت ٣٢٨ هـ)، وقاضي مصر أبو بكر هارون بن إبراهيم بن حماد بن إسحاق (ت ٣٢٨ هـ)، وأبو نصر يوسف بن عمر (ت ٣٥٦ هـ) ولي قضاء بغداد، وغيرهم من شيوخ القضاء والإفتاء من ذرية حماد وأخيه سعيد، حيث تردد العلم في طبقاتهم وبيتهم نحو ثلاثمائة عام.
(٢) انظر: الطبقات السنية، الغزي (٣/ ١٢٥) وفي (٣/ ٤٨) وفي (٢/ ١٩٠).
(٣) انظر: أقضية خراسان حتى نهاية القرن الرابع الهجري، د. زينب مهدي رؤوف (٥٣).
(٤) المرقبة العليا، النباهي (٧٤).

<<  <   >  >>