للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مجلس الإفتاء مجلس عظيم تهيَّبه الراسخون في العلم من الأبرار والصالحين، وأخبارهم في تدافع الفتوى بينهم معلومة (١)؛ لأن مقام المفتي في الناس كمقام النبي الذي يبلغ شريعة رب العالمين إليهم. قال محمد بن المنكدر (ت ١٣٠ هـ): (إن العالم يدخل فيما بين الله وبين عباده، فليطلب لنفسه المخرج) (٢)، وقال مالك بن دينار (ت ١٣٠ هـ) لقتادة (ت ١١٧ هـ): (أتدري أي علم رفعت؟ قمت بين الله وبين عباده، فقلت هذا يصلح وهذا لا يصلح) (٣)، ولذا كانت حال المفتي متردِّدة بين رهبتين ورغبتين، فأما الرهبتان فرهبة كتمان العلم، ورهبة القول على الله بغير علم، وأما الرغبتان فرغبة التقدم في الدين وإمامة المتقين، ورغبة السلامة والعافية. وإنما تكون نجاة المفتي بشهوده لتلك الأحوال واستحضاره لمقامه بينها حال فتواه.

ولوظيفة الإفتاء شروط أفاض العلماء في بيانها، وحذَّروا من تقحُّم درجة الإفتاء دون اعتبار تحقُّقها، وذكروا أن التساهل في شرط المفتي يجرُّ إلى العاقبة الوخيمة. قال مالك (ت ١٧٩ هـ): أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن (ت ١٣٦ هـ) فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع


(١) انظر: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب الزجر عن التسرع إلى الفتوى (٧٠٨)، تعظيم الفتيان ابن الجوزي (٣٥).
(٢) سنن الدارمي، باب من هاب الفتيا (١٣٩).
(٣) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٧١٢).

<<  <   >  >>