للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أحد من العلماء، فإذا تمكن الفقه فيه حتى وصل لهذه المرتبة ساغ له الآن أن يفتي، وأما قبل وصوله لهذه المرتبة فلا يسوغ له إفتاء، وإنما وظيفته السكوت عما لا يعنيه وتسليم القوس إلى باريها، إذ هي مائدة لا تقبل التطفل، ولا يصل إلى حومة حماها الرحب الوسيع إلا من أنعم عليه مولاه بغايات التوفيق والتفضل) (١).

ومع ذلك فهو مأمور بحسن البيان للناس، وألا يستعمل معهم الإلغاز والمجاز كما قد يجري في مجالس التعليم امتحانًا للطلبة، وذلك أن المفتي يخاطب عامة الناس، والناس فيهم الكبير والصغير والعالم والجاهل والذكي والبليد. قال تقي الدين السبكي (ت ٧٥٦ هـ): (والفقيه المصنف قد يستعمل من الألفاظ ما فيه مجاز لمعرفته أن الفقهاء يعرفون مراده ومخاطبته للفقهاء. وأما المفتي فغالب مخاطبته للعوام فلا يعذر في ذلك وعليه أن لا يتكلم بالمجاز ولا بما يفهم منه غير ظاهره) (٢).

وهذا المجلس الذي هو مجلس الإفتاء مجلس إخبار عن الحكم الشرعي خاصة، وما يتضمنه هذا المجلس من حديث في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والطب وعلوم الطبيعة والحياة فإنما يُنظر فيها باعتبار ما يراد معرفة الحكم الشرعي بشأنه منها، والرجوع إلى أهل الخبرة في ذلك واجب للتعرف على صورة المسائل ومعرفة الأوصاف الطردية والمؤثرة في محل الحكم. وكان الحسن (ت ١١٠ هـ) إذا سئل عن فريضة أخبر بها، فإن قيل له: احسبها، قال: اذهب إلى البقالين يحسبونها (٣).

وينبغي التمييز في هذا المقام بين حال المستفتي الذي يسأل عن حكم


(١) الفتاوى الفقهية الكبرى (٤/ ١٩٢).
(٢) فتاوى السبكي (٢/ ٣٧٠). وانظر: أدب الفتوى، ابن الصلاح (٩٤).
(٣) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٨). وبشأن الحساب خاصة فقد اشترط العلم بما يُحتاج إليه في الفقه منه جماعة من الفقهاء، انظر: أدب الفتوى، ابن الصلاح (٣٨)، ولكن الغرض الإشارة إلى أصل المعنى المذكور. وانظر: الاستعانة بأهل الاختصاص في الاجتهاد، د. أحمد الضويحي، مجلة العدل، العدد الثاني والأربعون (٢٣).

<<  <   >  >>