للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مجلس الإفتاء مجلس إعمال للشرع، يفتي فيه العالم ويستفتي الجاهل، ولكلِّ منهما صفته وأدبه الذي يحصل بالتزامه الغرض من المجلس على أكمل وجه وأتمِّه. وجماع الحديث ههنا عن أغراض أربعة، وهي حال المفتي والمستفتي والفتيا ومجلس الفتيا، على نحو ما يأتي بيانه:

١ - فأما المفتي فليعلم أنه في مجلس حقيق أن يهاب وأن يستعدَّ له الجالس فيه، وقد قال الإمام أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ): (لولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحدًا، يكون لهم المهنأ وعلي الوزر) (١)، وقال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): (ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم)، وقال: (إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن)، وقال: (ربما وردت على المسألة فأسهر فيها عامة ليلتي) (٢).

وقال سحنون (ت ٢٤٠ هـ) يومًا: (إنا لله، ما أشقى المفتي والحاكم!) ثم قال: (هنذا يُتعلم مني ما تضرب به الرقاب، وتوطأ به الفروج، وتؤخذ به الحقوق، أما كنت عن هذا غنيًّا) (٣).

فإذا علم ذلك لم يجلس للفتيا إلا من علم أنه يقدم على أمر عظيم له


(١) أخبار أبي حنيفة وأصحابه، الصيمري (٤٥).
(٢) انظر كل ذلك في: ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٣٦).
(٣) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ١١٢٧).

<<  <   >  >>