للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شرط جليل يعلم أنه أهل له، أو يشهد له الناس بذلك (١)، وأخذ الإذن بالإفتاء من الشيوخ من العمل القديم الذي درج عليه أهل العلم. قال الإمام مالك: (ليس كلُّ من أحبَّ أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلًا جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع لذلك) (٢). وقال: (ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل يراني موضعًا لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك) فقال له رجل: يا أبا عبد الله، لو نهوك؟ قال: (كنت أنتهي. لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلًا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه) (٣). وقال ابن وهب (ت ١٩٧ هـ): جاء رجل يسأل مالكًا عن مسألة، فبادر ابن القاسم (ت ١٩١ هـ) فأفتاه، فأقبل عليه مالك كالمغضب وقال له: جسرت على أن تفتي يا عبد الرحمن؟ يكررها عليه، ما أفتيت حتى سألت: هل أنا للفتيا موضع؟ فلما سكن غضبه قيل له: من سألت؟ قال: الزهري وربيعة الرأي (٤). وكان مالك يكتب إلى ابن وهب في المسائل: إلى عبد الله بن وهب المفتي، ولم يكن يفعل هذا مع غيره (٥). وجرت مرةً حادثة استفتاء في مجلس مالك (ت ١٧٩ هـ)، وكان الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) حاضرًا وهو فتى يومها، فأفتى الشافعي السائل وناقشه مالك في ذلك في قصة يطول ذكرها، فضرب مسلم بن خالد الزنجي (ت ١٨٠ هـ) بين كتفي الشافعي وقال: أفتِ فقد والله آن لك أن تفتي (٦). وقيل لسحنون (ت ٢٤٠ هـ) في موسى بن معاوية الصمادحي (ت ٢٢٥ هـ): إن موسى جلس في الجامع يفتي الناس، فقال سحنون: ما جلس


(١) انظر: المدونة (٥/ ١٤٩)، البحر المحيط، الزركشي (٦/ ٣٠٩).
(٢) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١١٥).
(٣) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٦٩٠)، وانظر: ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١١٥).
(٤) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١١٥).
(٥) وفيات الأعيان، ابن خلكان (٣/ ٣٦).
(٦) مناقب الشافعي، البيهقي (٢/ ٢٣٨).

<<  <   >  >>