للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المستفتين إلا أن يأذنوا لغريب ونحوه، وألا يخاطب عامة الناس في الفتوى بأصول العلم وغوامضه، وإذا سأله السائل عما يطول جوابه أن يأمره بالجلوس، وأن يسارَّ المستفتي إذا كان السؤال أو الجواب مما يستوجب ذلك أو مما تختلف فيه الفتيا، وقد روي عن أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) أنه أتاه رجل في مسألة طلاق فأجابه، ثم استوى فقال: أكان هذا بعدُ؟ فقالوا: نعم، فطلب من السائل أن يأتيه حتى يفتيه (١).

ومجلس الإفتاء مجلس فخم يتوجب فيه تفخيم الشريعة وتعظيمها (٢)، ولذا قال الفقهاء إن على المفتي أن يعتني بمظهره ولباسه، فقال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): (حسن السمت وحسن الزي جزء من كذا كذا جزءًا من النبوة) (٣)، وقال شهاب الدين القرافي (ت ٦٨٤ هـ): (ينبغي للمفتي أن يكون حسن الزي على الوضع الشرعي؛ فإن الخلق مجبولون على تعظيم الصور الظاهرة، ومتى لم يعظم في نفوس الناس لا يُقبلون على الاهتداء به والاقتداء بقوله) (٤).

وعلى المفتي عند تلقِّي الفتوى أن يكثر اللجأ والاستعانة بالله جل جلاله ويستمد الصواب منه سبحانه، وأن يتواضع بعلمه ويعلم أنه قليل الحيلة إن لم يتداركه الله بلطفه، وروي عن مكحول (ت ١١٣ هـ) أنه كان لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله (٥)، ومن الكلمات التي كان يلزمها الإمام مالك في فتواه أن يقول: ما شاء الله ولا قوة إلا بالله (٦). وقال ابن القيم (ت ٧٥١ هـ): (وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه، إذا أعيته المسائل واستعصت عليه فرَّ


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٢٥٩). وانظر: رياضة المتعلمين، ابن السني (١٢٦ - ١٣٠)، الإحكام، القرافي (٢٦٤)، المجموع، النووي (١/ ٥٠).
(٢) انظر: عرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام، المرادي (٩).
(٣) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٢٥٦).
(٤) الإحكام (٢٥٣).
(٥) أدب الفتوى، ابن الصلاح (١٠٦).
(٦) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٣٦).

<<  <   >  >>