للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لعطاء بن أبي رباح (ت ١١٤ هـ) (١).

ولما دخل أبو محمد عبدان بن محمد المروزي (ت ٢٩٣ هـ) نيسابور في طريقه إلى الحج أخذ ابن خزيمة (ت ٣١١ هـ) ينفذ إليه برقاع الفتاوى، ويقول: أنا لا أفتي ببلدة أستاذي فيها (٢). وكذلك لما دخل العز بن عبد السلام (ت ٦٦٠ هـ) القاهرة ترك الحافظ المنذري (ت ٦٥٦ هـ) الفتيا وقال: حيث دخل الشيخ عز الدين لا حاجة بالناس إليَّ (٣).

وهكذا يكون في كل بلد مُفتون، وربما دارت الفتيا في البلد على فقيه فاق أقرانه فيها (٤). وربما كان للمفتي أكثر من حلقة للإفتاء في البلد، كابن البناء البغدادي الحنبلي (ت ٤٧١ هـ) الذي كان له حلقتان ببغداد، حلقة بجامع المنصور والأخرى بجامع القصر (٥).

وقد بيَّن أهل العلم أن المفتي عليه أن يكون على حالة مستقرة مناسبة للجلوس للفتيا، فلا يفتي في كل حالة تُغيِّر خلقه وتشغل قلبه وتمنعه من التثبت والتأمل، من غضب أو جوع أو عطش أو حزن أو فرح غالب أو نعاس أو ملالة أو مرض، فإذا أحس باشتغال قلبه بشيء من ذلك وشبهه أمسك عن الفتوى، وللفقهاء تفصيل في صحة الفتيا منه في مثل هذه الأحوال (٦). وقد سُئل الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) يوم مات بشرٌ (ت ٢٢٧ هـ) عن مسألة، فقال: ليس هذا يوم جواب، هذا يوم حزن (٧).

كما تكلم العلماء في الآداب التي يلتزمها المفتي والمستفتي في مجلس الفتيا وأسهبوا في شرحها وتوضيح أحوالها، كتقديم الأول فالأول من


(١) صفة الصفوة، ابن الجوزي (٢/ ٢١٢).
(٢) طبقات الشافعية، ابن قاضي شهبة (١/ ٧٩).
(٣) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٨/ ٢٦١).
(٤) انظر على سبيل المثال: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ١٩٨) وفي (٦/ ٣٩٧) وفي (٧/ ١٢٥) وفي (٧/ ٢٧٧).
(٥) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٧١).
(٦) انظر: أدب الفتوى، ابن الصلاح (٦٨)، صفة المفتي والمستفتي، ابن حمدان (١٩٥).
(٧) الفروع، ابن مفلح (٣/ ٤٠٣).

<<  <   >  >>