للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في ذلك الوقت، فكان يكتب تحت فتياهما: أقول بما قاله الشيخان، فقضي أن ذينك الشيخين اختلفا، فلما كتب تحت فتياهما ما ذكرنا، قال له بعض من حضر: إن الشيخين اختلفا! فقال: وأنا أختلف باختلافهما) (١).

٤ - وأما حال مجلس الفتيا فأكثر مجالس الفتيا للفقهاء إنما كانت في المساجد (٢)، لمكان اجتماع عامة الناس فيها في الصلوات وغيرها، لا سيما في الأمكنة التي تزداد فيها حاجتهم إليها كالبلدان الكبيرة، أو الحرمين الشريفين أيام المناسك (٣)، أو الأزمنة التي يزداد فيها حضورهم واجتماعهم كالجمعة، حيث يجتمع الفقهاء وتتعدد حلقاتهم للإفتاء والوعظ والمناظرة وغيرها، قبل الصلاة وبعدها (٤).

وكان وفود الفقهاء من خارج البلد فرصة لتعليم الناس وإفتائهم، وربما طلب منه أهل البلد ذلك أو تنازل له بعض الفقهاء عن مجلسه. قال عبد ربه بن أبي راشد: قمت بمكة على حلقة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهو يُسأل عن الفتاوى ويجيبهم، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: أهل البصرة خير من أهل الكوفة (٥). وقد كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس رضي الله عنه، وكان يفتي في المسجد الحرام مسندًا ظهره إلى الكعبة، وهو أول من أفتى فيها بهذه الهيئة (٦)، وبعد ابن عباس كانت حلقة الفتيا


(١) الإحكام (٦/ ٧٧).
(٢) الحديث ههنا عن مجالس الفتيا، أما سؤال المفتي الذي بذل وقته للناس فهو حاصل في المساجد وغيرها، وفي تبويب البخاري: (باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها)، قال ابن بطال (ت ٤٤٩ هـ): (العالم يجوز سؤاله راكبًا وماشيًا وواقفًا وعلى كل أحواله). شرح صحيح البخاري (١/ ١٦٥).
(٣) انظر: الحياة العلمية في الحجاز خلال العصر المملوكي، خالد الجابري (٣٢٩).
(٤) انظر على سبيل المثال: ديوان الأحكام الكبرى، ابن سهل (٦٢٢) حيث عقد فصلًا في المتحلقين للمسائل يوم الجمعة في الجوامع، وانظر: الديباج المذهب، ابن فرحون (١/ ٣٤٣)، الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٤٠٥) وفي (٢/ ٢٧٩) وفي (٣/ ٢٨٨).
(٥) الإرشاد، الخليلي (٢/ ٤٨٤).
(٦) أخبار مكة، الفاكهي (٣/ ٢١٧)، وانظر: النشاط العلمي في مكة والمدينة خلال مواسم الحج في العصر الأموي، د. إبراهيم الجميح (٩٤).

<<  <   >  >>