للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حاكيًا: (ثم قال: وقد طال بحثنا عن مقتضى المذهب في هذه المسألة، والذي عوَّلنا عليه في المذاكرة موافقة مذهب الشافعي مع العجز عن نص يقتضيه في المذهب. ورأى أنه الاحتياط. وأن مذهب أبي حنيفة مقتضاه الرجوع إلى براءة الذمة، ثم قال: ولا يبعد أن يختلف المذهب في هذه المسألة) (١).

فأما مجالس الهيئة الثانية فشأنها مختلف عن ذلك، بل يعتني بها النقلة وربما حُرِّرت الكتب بها وفيها ومنها. قال السرخسي (ت ٤٩٠ هـ): (فأما الكتب المصنفة التي هي مشهورة في أيدي الناس، فلا بأس لمن نظر فيها وفهم شيئًا منها وكان متقنًا في ذلك أن يقول: قال فلان كذا، أو: مذهب فلان كذا، من غير أن يقول: حدثني أو أخبرني؛ لأنها مستفيضة بمنزلة الخبر المشهور. وبعض الجهال من المحدثين استبعدوا ذلك، حتى طعنوا على محمد رحمه الله في كتبه المصنفة، وحكي أن بعضهم قال لمحمد بن الحسن رحمه الله: أسمعت هذا كله من أبي حنيفة؟ فقال: لا، فقال: أسمعته من أبي يوسف؟ فقال: لا، وإنما أخذنا ذلك مذاكرة. فقال: كيف يجوز إطلاق القول بأن مذهب فلان كذا أو قال فلان كذا بهذا الطريق؟. وهذا جهل؛ لأن تصنيف كل صاحب مذهب معروف في أيدي الناس مشهور، كموطأ مالك رحمه الله، وغير ذلك. فيكون بمنزلة الخبر المشهور يوقف به على مذهب المصنف وإن لم نسمع منه، فلا بأس بذكره على الوجه الذي ذكرنا بعد أن يكون أصلًا معتمدًا يؤمن فيه التصحيف والزيادة والنقصان) (٢). وقال أمير بادشاه (ت ٩٧٢ هـ) في خطبة شرحه للتحرير لكمال الدين بن الهمام (ت ٨٦١ هـ): (فصرفت خيار عمري في حل مشكلاته، وبذلك كمال جهدي في فتح مغلقاته، وبالغت في التنقيح والتوضيح، واكتفيت فيما يتبادر بالتلويح، واقتصدت بين الإيجاز


(١) عقد الجواهر الثمينة (١/ ١٣٨).
(٢) أصول السرخسي (١/ ٣٧٨)، وانظر الحكاية التي ذكرها أبو الوليد بن رشد في: فاتحة كتابه ((البيان والتحصيل)) وسيأتي ذكر طرف منها.

<<  <   >  >>