كان للفقهاء والمتفقهين مجالس يلتقون فيها فيتذاكرون الفقه ويتباحثون مسائله، وكان أمر هذه المجالس في الجملة مبنيًّا على التبسط، فليس فيها من الشرائط كالتي تكون في مجالس التعليم بين يدي الشيوخ، مع حفظ مقامات الكبراء في كل مجلس من مجالس العلم الخاصة والعام. وكانت هذه المجالس ربما ضمت الكبير والصغير والخاص والعام، ومنها ما يكون له موعد راتب، ومنها ما يتفق على العفو وبداهة اللقيا والاجتماع العارض بين الأقران والنظراء أو غيرهم.
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يلتقون في المذاكرة في الفقه فتطول مذاكرتهم، فمن ذاك ما روي أن أبا موسى رضي الله عنه أتى عمر رضي الله عنه بعد العشاء الآخرة، فقال: ما جاء بك يا أبا موسى الساعة؟ قال: نتذاكر الفقه، قال: فجلسنا ليلًا طويلًا نتذاكر، فقال أبو موسى: الصلاة-يعني: قيام الليل-، فقال عمر: إنا في صلاة. فتذاكرا حتى كان قريبًا من الفجر (١).
وكذلك كان هدي الفقهاء بعدهم، فذكر عن جماعة من فقهاء الكوفة كابن شبرمة (ت ١٤٤ هـ) والمغيرة بن مقسم (ت ١٣٣ هـ) والحارث العكلي والقعقاع بن يزيد أنهم كانوا يسمرون في الفقه حتى تنار الغداة، فمرَّ بهم أبو المغيرة فقال: بهذه الساعة؟ ما يكفيكم ما يكون منكم بالنهار حتى تذكروه