للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذه الساعة؟ (١).

وقال مسعر (ت ١٥٥ هـ): كنت أنظر إلى أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) رضي الله عنه يصلي الغداة، ثم يجلس في مذاكرة العلم إلى العصر ولا يحدث وضوءًا ولا طعامًا ولا شرابًا، ثم يجلس بعد صلاة العصر إلى المغرب، ثم يجلس في مذاكرة العلم إلى عشاء الآخرة (٢).

وحكي أن أبا يوسف (ت ١٨٢ هـ) كان يذاكر الفقه مع الفقهاء بقوة ونشاط، وكان صهره عنده يتعجب في أمره ويقول: أنا أعلم أنه جائع منذ خمسة أيام، ومع ذلك يناظر بقوة ونشاط (٣).

وبالجملة فقد كان الأئمة إذا التقوا لم يفرطوا بالمذاكرة في الفقه، كما جرى من أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) ومالك (ت ١٧٩ هـ)، حيث روي أنهما جعلا يتذاكران ويتدارسان بعد صلاة العشاء الآخرة حتى صليا الغداة في مجلسهما ذلك (٤). وكذلك الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) وابن الماجشون (ت ٢١٣ هـ) الذين كانا يتذاكران فلا يعرف الناس كثيرًا مما يقولان لفصاحتهما (٥).

وذُكر في سيرة أبي العباس بن طالب (ت ٢٧٥ هـ) أنه لم يكن شيء أحب إليه من المذاكرة في العلم (٦). ومثل ذلك قيل في أبي العباس الإبياني (ت ٣٥٢ هـ) الذي وُصف بأنه كان يُفصِّل المسائل كتفصيل الجزار الحاذق اللحم، وربما دخل عليه أصحابه وهو ملتاث فإذا أخذوا في المذاكرة زال التياثه وظهر نشاطه، وكان ابن اللباد (ت ٣٣٣ هـ) إذا ذاكره يضجر لكثرة معارضته ودقة فهمه، فيصبر له أبو العباس (٧).


(١) أخبار القضاة، وكيع (٣/ ٧٩).
(٢) أخبار أبي حنيفة وأصحابه، الصيمري (٥٣).
(٣) تعليم المتعلم، الزرنوجي (٢١).
(٤) فضائل أبي حنيفة وأخباره، ابن أبي العوام (١٠٣).
(٥) وفيات الأعيان، ابن خلكان (٣/ ١٦٦).
(٦) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٣٠٦).
(٧) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٣/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>