للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان أبو بكر بن محرز (ت ٦٥٥ هـ) فقيهًا متفنِّنًا، واشتُغل عليه اشتغال التحصيل والتعليم والتبيين والتفهيم، فلا يخلو له وقت عن الاشتغال بالعلم إما الرواية وإما التدريس وإما المقابلة وإما عرض المسائل على سبيل المذاكرة (١).

وقال عبد الغافر الفارسي (ت ٥٢٩ هـ) في وصف مجالس الجويني (ت ٤٧٨ هـ) في المذاكرة والمباحثة: (وكم من مجمع للتدريس حاو للكبار من الأئمة وإلقاء المسائل عليهم والمباحثة في غورها رأيناه، وحصلنا بعض ما أمكننا منه وعلقناه، ولم نقدر ما كنا فيه من نضرة أيامه وزهرة شهوره وأعوامه حق قدره، ولم نشكر الله عليه حق شكره، حتى فقدناه وسلبناه. وسمعته في أثناء كلام يقول: أنا لا أنا ولا آكل عادةً، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلًا كان أو نهارًا، وآكل إذا اشتهيت الطعام أي وقت كان. وكان لذته ولهوه ونزهته في مذاكرة العلم وطلب الفائدة من أيِّ نوعٍ كان) (٢).

وقال ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) في وصف أبي الوفاء بن عقيل (ت ٥١٣ هـ): (وكان دائم التشاغل بالعلم، حتى أني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، اعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره) (٣).

ووصف السخاوي (ت ٩٠٢ هـ) شيخه أبا السعادات سعد الدين بن الديري الحنفي (ت ٨٦٧ هـ) بانه كان إمامًا علامة جبلًا في استحضار مذهبه قوي الحافظة حتى بعد كبر سنه، وكان شديد الرغبة في المباحثة في العلم والمذاكرة به مع الفضلاء والأئمة، وكان يتذاكر مع الحافظ ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ)، فلما مات الحافظ كان ابن الديري يترحم عليه ويذكر أنه صار غريبًا فريدًا بعده (٤).


(١) عنوان الدراية، الغبريني (٢٨٦).
(٢) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٥/ ١٧٩).
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٣٢٤).
(٤) الذيل على رفع الإصر (١٣٠).

<<  <   >  >>