للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان من الفقهاء من يبرع في المذاكرة واستحضار مسائل الفقه وأبوابه، وكثيرًا ما ترى في تراجم الفقهاء وصف الفقيه بأنه كان (حسن المذاكرة) أو (حلو المذاكرة) (١)، بل كان من الفقهاء من يخصص مجلسًا للمذاكرة يأتيه من شاء من تلامذته أو من غيرهم، بل ربما استدعاهم وفرح بهم. فكان أبو عمران الفاسي (ت ٤٣٠ هـ) يجلس للمذاكرة كل يوم من غدوةٍ إلى الظهر إلى أن مات (٢). وكان محمد بن أحمد اللؤلؤي (ت ٣٥٠ هـ) -الذي وُصف بأنه أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك-ربما استدعى بعض طلبته للمذاكرة، فكتب ذات يوم من أيام الشتاء إلى ابن مسرَّة، وكان من وجوه تلامذته (٣):

هلمَّ إن اليوم يومُ دَجْنِ

إلى محلٍّ كالضمير الوكن

ساكنه كطائر في وكن

لعلَّنا نحكم أدنى فنِّ

في مجلس مرفرف ذي كنِّ

فأنت عند الظن أمشى مني

وأنت في سنك دون سني

وكانت مسائل العلم في مجالس المذاكرة ربما جرت على نظام، كما في مدارسة النظراء ممن يترافقون في حلقة بعض شيوخهم، وربما جرت على غير نظام كعادة الناس في حديثهم، فيتذاكر أصحاب المجلس مسائل الفقه والمشكل منها، وأخبار كتبه ومصنفاته وأحوال الفقهاء ومراتبهم. ومن ذلك ما حكاه القاضي عبد الوهاب بن نصر (ت ٤٢٢ هـ) فقال: تذاكرت مع أبي حامد الإسفراييني الشافعي (ت ٤٠٦ هـ) في أهل العلم، وجرى ذكر أبي الحسن بن


(١) انظر على سبيل المثال: الطبقات السنية، الغزي (١/ ١٤٢)، طبقات الشافعية، ابن قاضي شهبة (٢/ ١٦٨) وفي (٣/ ١٨)، الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٤/ ٣١١)، وفيات الأعيان، ابن خلكان (٤/ ١٣٠).
(٢) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٤/ ٢٦٢).
(٣) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٣/ ٣٦٥).

<<  <   >  >>