للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القصار (ت ٣٩٧ هـ) وكتابه في الحجة لمذهب مالك، فقال لي: ما ترك صاحبكم لقائل ما يقول (١).

والعناية بمذاكرة الفقه في تلك المجالس لم تكن خاصة بفئة من الناس، بل كان يحضرها الكبير والصغير، وكانت وسيلة إلى تمييز النابهين كما سيأتي.

كما كان الخلفاء والملوك والأمراء والسلاطين محتفين بها ومعنيِّين بأمرها، ويستدعون الفقهاء للمذاكرة في مجالسهم، سواء كانوا من فقهاء البلد أو من الواردين عليه، وهذا أمر مشهور جدًّا في سيرهم وأخبارهم. وعناية الخلائف في صدر الإسلام وفي دولة بني أمية وبني العباس بمجالس الفقه ومجالسة الفقهاء أمر معلوم مستفيض متواتر، والكثير منهم كانوا علماء، أو مشاركين في العلم ودرسوه على أهله صغارًا وكبارًا (٢). واستمر ذلك الشأن في المسلمين بعد أولئك في ملوك دول الإسلام المختلفة. كأمير المرابطين يوسف بن تاشفين (ت ٥٠٠ هـ) الذي كان مؤثرًا لأهل العلم كثير المشورة لهم، حتى ذُكر أن أبا حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) عزم على التوجه إليه ثم رجع عن ذلك لما بلغه خبر وفاته (٣).

وكالملك الكامل الأيوبي (ت ٦٣٥ هـ) الذي كانت تبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في مباحثاتهم، ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فن، وهو معهم كواحد منهم (٤).

وكملوك بني مرين في المغرب، حيث كانوا مقرِّبين للعلماء مختصِّين بهم، حتى وصف بعض المؤرخين دولتهم بأنها دولة العلم (٥).


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٤/ ١٥٠).
(٢) بالإمكان مطالعة طرف من ذلك في: مجالس العلماء والأدباء والخلفاء للدكتور يحيى الجبوري، والمجالس العلمية في عصري ما قبل الإسلام والرسالة والعصور الراشدية والأموية والعباسية للدكتورة خلود الجنابي، ورعاية الخلفاء العباسيين للعلم والعلماء للدكتورة أنيسة المشهداني.
(٣) وفيات الأعيان، ابن خلكان (٧/ ١٢٥).
(٤) وفيات الأعيان، ابن خلكان (٥/ ٨١).
(٥) انظر: النبوغ المغربي، عبد الله كنون (١/ ١٨٥).

<<  <   >  >>