للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكسلاطين المماليك في مصر الذين كانت لهم بالعلم عناية كبيرة مشهورة، وقد أمست مصر قبلة العلماء في وقتهم بعد هجمات التتار والصليبيين على العراق والشام، وقبل ذلك حرص الأيوبيون على دعوة العلماء إلى مصر لمواجهة آثار العهد العبيدي الزائل، فاتفق في مصر في أيامهم من العلماء والفقهاء ما لا يكاد يتفق في غيرها، حتى قال ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ): (سألت صاحبنا كبير الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبا عبد الله المقَّري (ت ٧٥٩ هـ) مقدمه من الحج سنة أربعين وسبعمائة فقلت له: كيف هذه القاهرة؟ فقال: من لم يرها لم يعرف عزَّ الإسلام) (١)، فعني سلاطينها جدًّا بمجالسة الفقهاء وبناء الجوامع والمدارس والأوقاف (٢).

أما ملوك الأندلس فشأنهم في العناية بالفقه وحضور مجالس الفقهاء وتعظيم أهلها مما يجري مجرى الأمثال، حتى قال شهاب الدين المقَّري (ت ١٠٤١ هـ) واصفًا أهل الأندلس: (وللفقه رونق ووجاهة، ولا مذهب لهم إلا مذهب مالك، وخواصهم يحفظون من سائر المذاهب ما يباحثون به بمحاضر ملوكهم ذوي الهمم في العلوم. وسمة الفقيه عندهم جليلة، حتى إن الملثمين كانوا يسمون الأمير العظيم منهم الذي يريدون تنويهه بالفقيه، وهي الآن بالمغرب بمنزلة القاضي بالمشرق، وقد يقولون للكاتب والنحوي واللغوي فقيه؛ لأنها عندهم أرفع السمات) (٣).

وعلى كل حال فتتبع هذا الأمر مما يطول شرحه وبيانه، وقد كان لعناية هؤلاء الملوك والسلاطين بالعلم أثر بالغ في نشره والإقبال عليه. قال ابن سمرة الجعدي (ت: بعد ٥٨٦ هـ): (وللدول في طيِّ العلوم ونشرها وإظهارها تأثيرات معجزة في تمكينات موجزة) (٤).


(١) تاريخ ابن خلدون (٧/ ٦٤٩).
(٢) بالإمكان مطالعة طرف من ذلك في: التعليم في مصر زمن الأيوبيين والمماليك للدكتور عبد الغني عبد العاطي، وصور من الحضارة العربية الإسلامية في سلطنة المماليك للدكتورة حياة الحجي.
(٣) نفح الطيب (١/ ٢٢١).
(٤) طبقات فقهاء اليمن (٩٨).

<<  <   >  >>