للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكانت مجالس المذاكرة هذه تزدهي وتتنشر عند التقاء الفقهاء من البلاد المختلفة في مكة والمدينة في مواسم الحج، أو عند ورود فقيه كبير إلى بلد فيجتمع إليه فقهاؤه، أو في الأربطة والزوايا التي يجتمع فيها الفقهاء وطلبة الفقه من أمصار شتى، فيحصل في هذه المجالس اتصال علمي واسع، ثم تأتي الرحلات التي يقوم بها الفقهاء من سائر الأقاليم للحج أو العمرة أو بغية لقاء فقيه مشهور في بعض البلاد، فإذا دخلوا بلدًا اتصلوا بفقهائه وشهدوا مجالسهم، وألقوا إليهم المسائل التي ارتحلوا بها من حيث أتوا لتنال نصيبها من المباحثة والمداولة، فيتعارف فقهاء الأمصار، وينتظم فقه أهل المشرق بفقه أهل المغرب (١).

ومن مجالس المذاكرة ما يكون خاصًّا بحيث تجري فيه المباحثات بين الفقهاء والمتقدمين في الفقه، أو تكون من مجالس العلم والدرس التي ينتخب لها الفقيه خواصَّ تلامذته، فيقرؤون الفقه قراءة بحث وتحرير وتدقيق.

كمباحثات ابن الفخر البعلي (ت ٦٩٩ هـ) مع شيخ الإسلام بن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) التي ذكر الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) أنه حضرها (٢). وكالقاضي أبي عبد الله بن صمغان قاضي بجاية الذي كان يقرأ عليه بعض طلبته الموطأ قراءة تفهُّم، وكان له مجلس دراسة بعلوِّ سقيفة داره فيجتمع إليه خواص الطلبة (٣). وكابن الونشريسي (ت ٩٥٥ هـ) الذي كان له مجلس خاص لا يحضره إلا الفحول من الفقهاء (٤).

وقد جرت عادة الفقهاء المتأخرين بتقييد هذه القراءات وضبطها، وتمييز قراءة البحث عن غيرها، فمن ذلك ما يأتي ذكره:


(١) انظر: الإعلان بالتوبيخ، السخاوي (٢٩٢)، التعليم في مصر زمن الأيوبيين والمماليك، د. عبد الغني عبد العاطي (١٨٦)، الحركة الفكرية في خراسان في القرن السادس الهجري، د. منيرة سالم (١٦٤)، الحياة العلمية في الحجاز خلال العصر المملوكي، د. خالد الجابري (٤٢٩)، الحياة الفكرية والعلمية في أقاليم الخلافة الشرقية من الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري، د. علي مفتاح (٣١٠)، المسجد الحرام، د. عبد الوهاب أبو سليمان (١/ ٢٨٠).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٤/ ٣٠٧).
(٣) عنوان الدراية، الغبريني (٢١٤).
(٤) دوحة الناشر، الشفشاوني (٥٤).

<<  <   >  >>