للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والنحوي والمنطقي والبليغ. وإذا كان ثمَّ أحد من العلماء غريبًا أخذ في المذاكرة معهم، ولم يزالوا كذلك حتى فراغ الميعاد، ثم ينتقلون فيما بعد إلى ميعاد ثان في مدرسة ثانية. وحرصًا على أن لا يغلب المدرس على أمره من أحد غريب؛ كان المتميزون في العلم يجلسون إلى يمينه وشماله ليكونوا عونًا له إذا سئل ولم يستحضر جوابًا) (١). وهذه المناظرات في المدارس كان لها أثرها الكبير على الطلبة المتفقهين داخل المدرسة وخارجها، ويصف القاضي أبو بكر بن العربي (ت ٥٤٣ هـ) أثر أحد هذه المجالس عليه فيقول: (وحين صليت بالمسجد الأقصى فاتحة دخولي له، عمدت إلى مدرسة الشافعية بباب الأسباط (٢)، فألفيت بها جماعة علمائهم في يوم اجتماعهم للمناظرة عند شيخهم القاضي الرشيد يحيى-يعني: ابن الصائغ (ت ٥٣٤ هـ) -الذي كان استخلفه عليهم شيخنا الإمام الزاهد نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي (ت ٤٩٠ هـ)، وهم يتناظرون على عادتهم، فكانت أول كلمة سمعتها من شيخ من علمائهم يقال له مجلي (ت ٥٥٠ هـ): بقعة لو وقع القتل فيها لاستوفى القصاص بها، وكذلك إذا وقع في غيرها أصله الحل. فلم أفهم من كلامه حرفًا، ولا تحققت منه نكرًا ولا عرفًا، وأقمت حتى انتهى المجلس، فكررت راجعًا إلى منزلي وقد تأوَّبني حرصي القديم، وغلبني على جدي في التحصيل والتعليم، فقلت لأبي رحمة الله عليه: إن كانت لك نية في الحج، فامض لعزمك، فإني لست برائم عن هذه البلدة حتى أعلم علم من فيها، وأجعل ذلك دستورًا للعلم وسلمًا إلى مراقيها، فساعدني حين رأى جدي، وكانت صحبته لي من أعظم أسباب جدي. ونظرنا في الإقامة بها وخزلنا أنفسنا عن صحبة كنا نظمنا بهم في المشي إلى الحجاز، إذ كانوا في غاية الانحفاز.

ومشيت إلى شيخنا أبي بكر الفهري رحمة الله عليه-يعني:


(١) منادمة الأطلال (١٠٥).
(٢) هي المدرسة النصرية المنسوبة إلى الشيخ نصر المذكور، وقد درَّس بها أجلة منهم أبو حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ)، وأبو عمرو بن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ)، وغيرهما. انظر: المدارس في بيت المقدس، د. عبد الجليل حسن (١/ ٣٥٦).

<<  <   >  >>