للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تقدم في بيان معنى المناظرة أنها لاستخراج الصواب وإظهار الحق، وهذا بلا ريب غرض شريف من أغراضها، غير أن فائدة مجالس البحث والنظر غير مختصة بهذا المعنى، بل لها فوائد وثمرات كثيرة تكلم الفقهاء فيها وحثوا على الاعتناء بها، فمن ذلك ما يأتي بيانه:

١ - استخرج ملكة التفقه:

فالتفقه لا يكون بالمطالعة ولا بالسماع المجردين، بل بالمناظرة والمناقشة والمخاوضة والمدافعة، فبذلك يستنبط الفقه من القلوب كما يستنبط الماء من أغواره، ولم تزل تلك جادة الفقهاء في تعليم الفقه وتفهيمه. وقد كان أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ) يتفقه بذلك، وكان كثيرًا ما يراجع شيخه حماد بن أبي سليمان (ت ١٢٠ هـ) ويناظره (١). بل قال الزرنوجي (ت ٥٩١ هـ): (وإنما تفقه أبو حنيفة رحمه الله تعالى بكثرة المطارحة والمذاكرة في دكانه حين كان بزازًا) (٢). كما كان يُفقِّه أصحابه بذلك، حيث روى سفيان بن عيينة (ت ١٩٨ هـ) فقال: مررت بأبي حنيفة في المسجد، وإذا أصحابه حوله قد ارتفعت أصواتهم، فقلت: يا أبا حنيفة، ألا تنهاهم عن رفع الصوت في


(١) انظر: فضائل أبي حنيفة وأخباره، ابن أبي العوام (١٠٧).
(٢) تعليم المتعلم طريق التعلم (١٩).

<<  <   >  >>