للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، قليل من يسأل كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة، يُبَدُّون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن وتُضيَّع حدوده، كثير من يسأل قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة، يُبَدُّون فيه أهواءهم قبل أعمالهم) (١).

وعلى أية حال فأثر هذه المجالس أمر يطول شرحه وبيانه، ولكنها لم تزل من وجوه الفخار التي تتجمل بها الأمصار الإسلامية وتتفاضل بها فيما بينها، وكان لها رهبة تدعو من يحل بالبلد من الفقهاء إلى التحرز والتوقي والحذر ليعرف منزلته من العلم في أهلها، ويروي ناصح الدين بن الحنبلي (ت ٦٣٤ هـ) أنه سمع ابن نُجيَّة الأنصاري الدمشقي الحنبلي (ت ٥٩٩ هـ) يقول: (أول مجلس جلسته في بغداد في جامع المنصور، فنزلت سحرًا إلى الجامع متنكرًا، حتى أرى هيئة المجلس وأسمع ما يقال، وإذا رجل أعمى قد جلس على درج المنبر، فذكر من الفصول من كلام التميمي (ت ٤٨٨ هـ) وابن عقيل (ت ٥١٣ هـ) وغيرهما جميع ما قد حررته للمجلس وتعبت عليه! قال: فأصابني همٌّ وما بقي لي زمن أحفظ غير ذلك، فاستخرت الله تعالى، ثم جلست وتكلمت، وذكرت حكاية طاب بها المجلس) (٢). ويصف فقيه القيروان وعالمها أبو عمران الفاسي (ت ٤٣٠ هـ) أول حضوره لمجلس القاضي أبي بكر الباقلاني (ت ٤٠٣ هـ) فيقول: (رحلت إلى بغداد وكنت قد تفقهت بالمغرب والأندلس عند أبي الحسن القابسي (ت ٤٠٣ هـ) وأبي محمد الأصيلي (ت ٣٩٢ هـ) وكانا عالمين بالأصول. فلما حضرت مجلس القاضي أبي بكر، ورأيت كلامه في الأصول والفقه مع المؤلف والمخالف، حقرت نفسي وقلت: لا أعلم من العلم شيئًا، ورجعت عنده كالمبتدئ) (٣).


(١) الموطأ برواية يحيي، كتاب الصلاة، باب جامع الصلاة (٤٧٩).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٥٣٠).
(٣) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٤/ ١٣٦).

<<  <   >  >>