للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ هـ): (فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة وبجاه السُّنَّة، وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) (١).

وأكمل أحوال الناس التي تُفتح لهم فيها أبواب التوفيق، أن يقيض الله جل جلاله لهم عالمًا عاملًا ربانيًّا يأخذهم بالعلم والعمل، فتنتظم أمورهم في ذلك كله على السداد، ثم لا تكون بهم حاجة إلى غيره ممن انتقص علمه أو عمله.

وقد روى القاضي أبو الوليد بن رشد الجد (ت ٥٢٠ هـ) في ذلك حكاية عن فقيه الأندلس يحيي بن يحيي الليثي (ت ٢٣٤ هـ) حيث قال: خرج معنا فتى من طرابلس، فكنا لا ننزل منزلًا إلا وعظنا فيه، حتى بلغنا المدينة، فكنا نعجب بذلك منه، فلما أتينا المدينة إذا هو قد أراد أن يفعل بهم ما كان يفعل بنا، فرأيته في سماط أصحاب السقط وهو قائم يحدثهم وقد لهوا عنه، والصبيان يحصبونه ويقولون له: اسكت يا جاهل، فوقفت معجبًا لما رأيت. فدخلنا على مالك (ت ١٧٩ هـ) فكان أول شيء سألناه عنه بعد ما سلمنا عليه ما رأينا من الفتي، فقال مالك: أصاب الرجال إذ لهوا عنه، وأصاب الصبيان إذ ذكروا عليه باطله. قال يحيي: وسمعت مالكًا يكره القصص، فقيل له: يا أبا محمد، فإذ تكره مثل هذا فعلى ما كان يجتمع من مضى؟ فقال: على الفقه. وكان يأمرهم وينهاهم (٢). وقال أبو بكر المرّوذي (ت ٢٧٥ هـ): سمعت أبا عبد الله-يعني: الإمام أحمد- يقول: جاءني الأرمينيون بكتاب ذكر الوسواس والخطرات وغيره. قلت: فأي شيء قلت لهم؟ قال: قلت: هذا كله مكروه.

وقال في موضع آخر للمروذي: عليك بالعلم عليك بالفقه (٣).

فالوظائف الدينية من تعليم وإفتاء وقضاء وخطابة ووعظ تستقيم مع الفقه وتختل بفقده ونقصه، وقد روى الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) في الموطأ أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لإنسان: (إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه،


(١) سير أعلام النبلاء (١١/ ٨٢).
(٢) البيان والتحصيل (١٧/ ٢٩٧).
(٣) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٧٩).

<<  <   >  >>