للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ت ١٣٦ هـ) أربعين فقيهًا، أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت فيه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا) (١).

وأخلاق الخشية هذه إنما حمل الفقهاء عليها فضل علمهم ومعرفتهم بالله جل جلاله وأنه سائلهم عن علمهم. قال أبو بكر الآجري (ت ٣٦٠ هـ): (فإن قال قائل: ولم داخل العلماء هذا الإشفاق الشديد، وخافوا من علمهم هذا الخوف كله؟ قيل له: علموا أن الله عز وجل يسألهم عن علمهم ما عملوا فيه؟ فجعلوا مساءلة الله نصب أعينهم، فألزموا أنفسهم شدة الحذر، وأخذوا بالثقة في كل أمرهم) (٢).

٣ - كانت هذه المجالس دواوين لحراسة الشريعة وصيانتها من كل زيف دخيل، فالعلم إذا فشا ارتفع الجهل، وإذا فتر العلم نجم الجهل وفشا، حتى يتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فيَضلُّون ويُضلُّون. ومن أعظم وجوه البلايا التي تدخل على الناس أن ينحازوا عن عالم مقصِّر في العمل إلى جاهل غرَّهم منه نسكه وصلاحه فيأخذوا علم الشريعة منه، فيختل بذلك نظام الشريعة، فيقدمون ما أخرته الشريعة ويؤخرون ما قدمته، حتى يظن الجاهل أنه على شيء وليس هو على شيء. قال ضرار بن عمرو (ت ٢٠٠ هـ): (إن قومًا تركوا العلم ومجالسة أهل العلم، واتخذوا محاريب فصاموا وصلوا، حتى بلي جلد أحدهم على عظمه، وخالفوا السُّنَّة فهلكوا، فلا والذي لا إله غيره ما عمل عامل قط على جهل إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح) (٣). وقال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) في شكاية عارف: (وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته) (٤). فعلاج الجهل إنما يكون بإفشاء العلم، وجهاد البدع إنما يتهيأ بإظهار السنن.


(١) انظر: طبقات المفسرين، الداودي (١/ ١٧٦).
(٢) أخلاق العلماء (٧٦).
(٣) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (١٨).
(٤) اقتضاء العلم العمل، الخطيب البغدادي (١٨). وقريب من هذا المعنى ما جاء في ربيع الأبرار للزمخشري (٣/ ٢٠٧): (قطع ظهري من الناس اثنان: عالم فاسق يصد عن علمه بفسقه، وجاهل ناسك يدعو إلى جهله بنسكه).

<<  <   >  >>