للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، وأما كنتم فاعلين؟ قالوا: كنا والله متناهين. فقال: فقد جاءكم بها ملك! أكرم ملائكة الله عليكم إلى أكرم أهل الأرض عليه (١).

٢ - في مجالس الذكر استصلاح لأحوال الناس في دينهم ودنياهم، فإن من العلم ما لا ينتفع به صاحبه إلا بشيء من حرارة الموعظة، وربما عرف المرء المسألة فحجبه عن الأخذ بها غلو أو جفاء، حتى يعود بذلك مفتقرًا إلى تذكير وعظة ترده إلى الاعتدال الذي هو سمت الشريعة وقانونها، فمن العظة في الغلو ما جاء عن الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) من أن رجلًا شكا إليه الوسوسة، فقال له: عليك بالقُصَّاص، وما أنفع مجالسهم! (٢). ومن العظة في الجفاء ما حكاه حماد بن زيد (ت ١٧٩ هـ) فقال: (كان لنا قاصٌّ يقول في قصصه: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام على الهلكة) (٣). ومن ذلك ما روي عن كعب الأحبار (ت ٣٢ هـ) من أنه جلس يومًا يقصُّ بدمشق، حتى إذا فرغ قال: إنا نريد أن ندعو، فمن كان منكم يؤمن بالله وكان قاطعًا إلا قام عنا، فقام فتى من القوم فولَّى إلى عمة له كان بينه وبينها محرم، فدخل عليها فصالحها (٤).

٣ - في مجالس التذكير تعليم للناس وتفقيه لهم في أمر دينهم، ومن الإشارت اللطيفة التي تتضمن الإلماح إلى هذا المعنى قول ابن الزبير الغرناطي (ت ٧٠٨ هـ) في ترجمة أبي الحسن عليم بن عبد العزيز العمري الشاطبي (ت: بعد ٥٧٠ هـ): (وكان حافظًا لمتون الأحاديث، شديد الاعتناء بدينه، يجلس للعامة فيعظهم ويعلمهم دينهم، فينقلبون وقد أحرزوا آمالًا، وأحكموا من التكليفات أقوالًا صالحة وأعمالًا) (٥). وقد كان الفقهاء إذا جلسوا مجلس


(١) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢٢١).
(٢) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٨٠).
(٣) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٧٢٥).
(٤) تاريخ دمشق، ابن عساكر (٦٨/ ٢٢١).
(٥) صلة الصلة المطبوع مع الصلة لابن بشكوال (٣/ ٣٢٨).

<<  <   >  >>