للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العلم ميراث كميراث المال، وله خزنة وحفظة وكتبة وطلبة كخزنة المال وحفظته وكتبته وطلبته، فإن عدم المال ورثة يتطلبونه ويحصونه ويحوزونه ويتقاسمونه ضاع، فكذلك العلم إن لم يكن له ورثة ضاع، ومن أعظم ما يُدخل الحزن والأسف على صدر العالم ألا يجد حملة لعلمه. ولما كان سعيد بن جبير (ت ٩٥ هـ) بفارس كان يتحزن ويقول: (ليس أحد يسألني عن شيء) (١)، وكان يقول: (إن مما يهمني ما عندي من العلم، وددت أن الناس أخذوه) (٢). وقال زاذان (ت ٨٢ هـ): (سألت ابن مسعود رضي الله عنه عن أشياء ما أحد يسألني عنها) (٣).

وقال الزهري (ت ١٢٤ هـ): (إن للعلم غوائل، فمن غوائله أن يُترك العالم حتى يذهب بعلمه) (٤). وسئل يحيي بن أكثم (ت ٢٤٢ هـ): كيف رأيت عبد الملك-يعني: ابن عبد العزيز الماجشون (ت ٢١٣ هـ) - بالمدينة؟ فقال: رأيت بحرًا لا تكدره الدلاء، ولكني ما رأيت له سَأَلَةً. قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لا يفهمون عنه (٥). وقال ابن الخشاب اللغوي الحنبلي (ت ٥٦٧ هـ): (إني متقن في ثمانية علوم، ما يسألني أحد عن علم منها، ولا أجد لها أهلًا) (٦). وقال عالم الأحساء عبد العزيز بن حمد آل مبارك (ت ١٣٥٩ هـ) لما أحسَّ بدنوِّ أجله: (ما أسفت على شيء أسفي على علم بين جنبيَّ لم أستطع أن أورِّثه غيري) (٧).


(١) طبقات المحدثين بأصبهان، أبو الشيخ (١/ ٣١٨).
(٢) البداية والنهاية، ابن كثير (١٢/ ٤٦٩).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب من كان يستحب أن يُسأل (٢٦٩٤٦)، جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٤٦٦).
(٤) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٤٤٢).
(٥) التسمية والحكايات، أبو العباس السرقسطي (٩٦).
(٦) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٢٤٧).
(٧) شعراء هجر، عبد الفتاح الحلو (٢٩٩).

<<  <   >  >>