للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أيؤخذ العلم عمن ليس له طلب ولا مجالسة؟ فقال: لا (١). وقال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه، ويرجع في تفسير ما أشكل إليه، ويتعرف منه طرق الاجتهاد، وما يفرق به بين الصحة والفساد) (٢).

وهكذا كان الفقهاء يتلقون علم الفقه في سلسة كريمة تصل المتفقِّه بأسلافه في العلم، ومن أمثلة ذلك تلك السلسة الكريمة التي ساق فيها النووي (ت ٦٧٦ هـ) أسلافه في الفقه فقال: (فصلٌ في سلسلة التفقه لأصحاب الشافعي رحمة الله عليه، منهم إلى الشافعي رحمه الله ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من المطلوبات المهمات والنفائس الجليلات التي ينبغي للمتفقه والفقيه معرفتها وتقبح به جهالتها؛ فإن شيوخه في العلم آباء في الدين، وصلة بينه وبين رب العالمين، وكيف لا يقبح جهل الإنسان والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب، مع أنه مأمور بالدعاء لهم وبرهم وذكر مآثرهم والثناء عليهم وشكرهم، فأذكرهم مني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يعرف من كان في عصرنا وبعده طريقه باجتماعها هي وطريقتي قريبًا. فأما أنا فأخذت الفقه قراءة وتصحيحًا وسماعًا وشرحًا وتعليقًا عن جماعات، أولهم شيخي الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظم فضله وتميزه في ذلك على أشكاله، أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي ثم المقدسي (ت ٦٥٠ هـ) رضي الله عنه وأرضاه، وجمع بيني وبينه وبين سائر أحبابنا في دار كرامته مع من اصطفاه، ثم شيخنا أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسي ثم الدمشقي (ت ٦٥٤ هـ)، الإمام العارف الزاهد العابد الورع المتقن مفتي دمشق في وقته رحمه الله، ثم شيخنا أبو حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الرَّبِعي بفتح الباء الأربلي (ت ٦٨٩ هـ)، الإمام المتقن رضي الله عنه، ثم شيخنا أبو الحسن سلار بن الحسن الأربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي (ت ٦٧٠ هـ)،


(١) إسعاف المبطأ، السيوطي (٢/ ٢٩٦). مطبوع بذيل الموطأ.
(٢) الفقيه والمتفقه (٦٥٦). وانظر في أهمية صحبة الشيوخ المتحققين بالعلم وفائدة ملازمتهم: الموافقات، الشاطبي (١/ ١٣٩)، معالم إرشادية لصناعة طالب العلم، محمد عوامة (١٥٩).

<<  <   >  >>