للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فعقد لنفسه مجلسًا في الفقه وقصَّر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه فأُخبر أنه قد عقد لنفسه مجلسًا وأنه بلغه كلامك فيه، فبعث إليه أبو حنيفة رجلًا كأنه سائل يسأله عن مسألة، فقصَّر أبو يوسف فيها وراح إلى أبي حنيفة يسأله عنها، فعاتبه أبو حنيفة وقال له: (من ظنَّ أنه يستغني عن التعليم فليبك على نفسه) (١).

فكان من هدي المتفقه ملازمة الشيخ حتى يتفقه به وينتفع بطول صحبته، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه ومجلسه مع أهل العلم) (٢)، وسئل أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ): من أين لك هذا الفقه؟ فقال: (كنت في معدن العلم والفقه، فجالست أهله، ولزمت فقيهًا من فقهائهم يقال له حماد فانتفعت به) (٣)، وقال: (لقد لزمت حمادًا لزومًا ما أعلم أن أحدًا لزم أحدًا مثل ما لزمته) (٤)، وقال: (قدمت البصرة فظننت أني لا أُسأل عن شيء إلا أجبت عنه، فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي أن لا أفارق حمادًا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة) (٥)، وقال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): (كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه) (٦). وقال: (انقطعت إلى ابن هرمز (ت ١٤٨ هـ) سبع سنين- وفي رواية: ثماني سنين-لم أخلطه بغيره، وكنت أجعل في كمِّي تمرًا وأناوله صبيانه، وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ، فقولوا: مشغول) (٧)، وسئل مالك:


(١) انظر تمام الحكاية في: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٤٩٦). وذكر ابن نجيم في الأشباه والنظائر (٥١٢) أن أبا حنيفة بعث السائل بخمس مسائل، حتى قال أبو حنيفة لأبي يوسف كلمته المشهورة: (تزببت قبل أن تحصرم). وقالها أيضًا أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ هـ) لتلميذه أبي الفتح بن جني (ت ٣٩٢ هـ) لما فارقه فاجتاز به في حلقته والناس حوله يشتغلون عليه، فقال له: (زببت وأنت حصرم)، فترك حلقته وتبعه ولازمه حتى تمهر. انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان (٣/ ٢٤٦).
(٢) حلية الأولياء، أبو نعيم (١/ ٢١١)، جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٠).
(٣) مناقب الإمام الأعظم، الموفق المكي (١/ ٥٦).
(٤) مناقب الإمام الأعظم، الموفق المكي (١/ ٥٨). وانظر حكايته مع الشعبي في (١/ ٥٩).
(٥) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي (١٥/ ٤٥٧).
(٦) حلية الأولياء، أبو نعيم (٦/ ٣٢٠).
(٧) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٠٨).

<<  <   >  >>