للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتعليم العلم والخطب) (١).

وقال ابن الحاج (ت ٧٣٧ هـ) مبيِّنًا مواضع التدريس ومفاضلًا بينها: (فلا يخلو موضع التدريس من ثلاثة أحوال: إما أن يكون بيتًا أو مدرسة أو مسجدًا، وأفضل مواضع التدريس المسجد؛ لأن الجلوس للتدريس إنما فائدته أن تظهر به سنة أو تخمد به بدعة أو يتعلم به حكم من أحكام الله تعالى علينا، والمسجد يحصل فيه هذا الغرض متوفرًا؛ لأنه موضع مجتمع الناس رفيعهم ووضيعهم وعالمهم وجاهلهم، بخلاف البيت فإنه محجور على الناس إلا من أبيح له وذلك لأناس مخصوصين وإن كان العالم قد أباح بيته لكل من أتى، لكن جرت العادة أن البيوت تحترم وتهاب، وليس كل الناس يحصل له الإدلال على ذلك، فكان المسجد أولى؛ لأنه أعلم في توصيل الأحكام وتبليغها للأمة، وكذلك أيضًا بالنظر إلى هذا المعنى يكون المسجد أفضل من المدرسة لوجهين: أحدهما: أن السلف رضوان الله عليهم لم تكن لهم مدارس وإنما كانوا يدرسون في المساجد، وإن كان ذلك في المدرسة فيه المنفعة والخير والبركة، لكن لما أن لم يقع ذلك للسلف رضي الله عنهم كان أخذه في المساجد فيه صورة الاقتداء بهم في الظاهر وإن كان غيره يجوز وكفى لنا أسوة بهم.

الوجه الثاني: أن المدرسة لا يدخلها في الغالب إلا آحاد الناس بالنسبة إلى المسجد؛ لأنه ليس كل الناس يقصد المدرسة وإنما يقصد أعمهم المساجد، وليس كل الناس أيضًا له رغبة في طلب العلم، وإذا كان التدريس أيضًا في المدرسة امتنع توصيل العلم على من لا رغبة له فيه والمقصود بالتدريس كما تقدم إنما هو التبيين للأمة وإرشاد الضال وتعليمه ودلالة الخيرات، وذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة) (٢).

والواقع التاريخي للحركة العلمية في الإسلام يشهد أن العصور التي كانت العلوم الشرعية فيها تدرَّس في المساجد كانت أفضل عصور العلم. قال


(١) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٣٩).
(٢) المدخل (١/ ٨٥).

<<  <   >  >>