للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تعظيم مجالس العلم واحتفال عامة الناس بها وعمارتهم لها أمارة على حياة الأمة واشتعال الروح فيها، وعند استقراء كلام أهل التاريخ والأخبار في وصف حلقات العلم في المساجد والمجالس المختلفة يتعجب المرء من ذلك، حتى لكأن الأمة كلها معنية بالعلم ومشتغلة به. حتى لقد قال الأحنف بن قيس (ت ٦٧ هـ): (كاد العلماء أن يكونوا أربابًا)، قالها في قوم تشاجروا في مسجد البصرة، والمسجد مشحون برجالات العرب، فرضوا بالحسن البصري (ت ١١٠ هـ) وتحاكموا إليه (١). ومرَّ الحسن بأبي عمرو بن العلاء (ت ١٥٤ هـ)، وحلقته متوافرة والناس عكوف، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو عمرو بن العلاء، فقال: (لا إله إلا الله، كاد العلماء أن يكونوا أربابًا) (٢).

من أجل ذلك كثرت الوصية بمجالسة العلماء ومزاحمة الناس عليهم وثني الركب بين أيديهم، وبيان أثر هذه المجالسة في صلاح العلم والعمل. وقد روى الشيخان عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)) (٣).

وجاء في "موطأ الإمام مالك" من وصية لقمان الحكيم لابنه: (يا بني


(١) عيون الأخبار، ابن قتيبة (٢/ ١٤٥).
(٢) ربيع الأبرار، الزمخشري (٣/ ٢١٦).
(٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس (٦٦)، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب من أتى مجلسًا فوجد فرجة فجلس فيها (٢١٧٦).

<<  <   >  >>