للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تعلمت من أدب مالك أفضل من علمه) (١). وقال بعض العلماء في سحنون (ت ٢٤٠ هـ) إنه كان أعقل صاحبًا، وأفضل الناس صاحبًا، وأفقه الناس صاحبًا، وقد كانت هذه الصفات صفات سحنون، فتخلَّق بها أصحابه (٢).

وهذه الثمرة من ثمرات العلم الضرورية في علوم الشريعة، فإن خير العلم ما نفع وبدت آثاره وخلائقه على من تحمَّله وتأدب به، وإذا لم يكن الفقيه متخلِّقًا بالعلم الذي يحمله قلَّ انتفاع غيره به، ولذا عدَّ بعض العلماء في الكبائر مجالسة الفسقة من القراء والفقهاء؛ لأن النفس بتكرار الجلوس معهم تألفهم وتميل إلى أفعالهم وتتأسى بهم (٣).

وما أجمل قول أبي القاسم الزمخشري (ت ٥٣٨ هـ): (نعم يا أبا القاسم، إن سمعتهم يقولون: ما أكثر فضلك! فقل: إن فضولي أكثر. وما أغزر أدبك! فقل: إن قلة أدبي أغزر. فلعمر الله ليس بأديب ولا أريب كلُّ مُغربٍ وحافظ غريب. الأديب من أخذ نفسه بآداب الله فهذَّبها، ونقَّح أخلاقه من العقد الشائنة فشذَّبها، والأريب الفاضل من لم يكن له أرب ولا وطر، إلا أن يكون له عند الله فضل وخطر) (٤).


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥٠٩).
(٢) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٨٤)، وانظر (٢/ ٩٩).
(٣) انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر الهيتمي (٢/ ٢١١). ومن النقد الذي وجَّهه علي عزت بيقوفتش (ت ١٤٢٤ هـ) إلى التعليم المدرسي المعاصر قوله: (في هذه الأيام، من الممكن جدَّا أن نتخيل شابًّا قد مرَّ بجميع مراحل التعليم من المدرسة الابتدائية حتى الكلية، دون أن يكون قد ذكر له ضرورة أن يكون إنسانًا خيِّرًا وأمينًا). الإسلام بين الشرق والغرب (١١٣).
(٤) شرح المقامات (١١٢).

<<  <   >  >>