للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

منه، وفقد الحاملين له سبب عدمه) (١). وقال الوزير ابن هبيرة (ت ٥٦٠ هـ): (يحصل العلم بثلاثة أشياء: أحدها: العمل به، فإن من كلف نفسه التكلم بالعربية، دعاه ذلك إلى حفظ النحو، ومن سأل عن المشكلات ليعمل فيها بمقتضى الشرع تعلم. والثاني: التعليم، فإنه إذا علم الناس كان أدعى إلى تعليمه. الثالث: التصنيف، فإنه يخرجه إلى البحث، ولا يتمكن من التصنيف من لم يدرك غور ذلك العلم الذي نصف فيه) (٢).

وقال ابن القيم (ت ٧٥١ هـ): (العالم كلما بذل علمه للناس وأنفق منه، تفجَّرت ينابيعه وازداد كثرة وقوة وظهورًا، فيكتسب بتعليمه حفظ ما علمه، ويحصل له به علم ما لم يكن عنده، وربما تكون المسألة في نفسه غير مكشوفة ولا خارجة من حيِّز الإشكال فإذا تكلم بها وعلَّمها اتضحت له وأضاءت وانفتح له منها علوم أخر. وأيضًا فإن الجزاء من جنس العمل، فكما علَّم الخلق من جهالتهم، جزاه الله بان علَّمه من جهالته، كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث طويل: ((وإن الله قال لي: أنفق أنفق عليك)) (٣)، وهذا يتناول نفقة العلم، إما بلفظه وإما بتنبيهه وإشارته وفحواه، ولزكاء العلم ونموِّه طريقان: أحدهما تعليمه، والثاني العمل به) (٤).

٦ - مجالس التعليم مجالس سمت وأدب، وقد كان من هدي الأئمة أن ينتفع الناس بهديهم وخلقهم كما ينتفعون بعلمهم. قال إبراهيم (ت ٩٦ هـ): (كنا نأتي مسروقًا فنتعلم من هديه ودلِّه) (٥)، وقال ابن وهب (ت ١٩٧ هـ): (ما


(١) التمثيل والمحاضرة، الثعالبي (١٦٧).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ١٥٦).
(٣) روى مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (٢٨٦٥) عن عياض بن حمار رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أطول من هذا: ((وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشًا، فقلت: ربِّ إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك)).
(٤) مفتاح دار السعادة (١/ ٣٦٣).
(٥) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٠).

<<  <   >  >>