للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مقام القاضي مقام الذي يفصل بين الناس في خصوماتهم وفيما يشتجرون فيه من دمائهم وأعراضهم وأموالهم، والناس لا بُدَّ لهم من قضاة يحكمون بينهم بالعدل؛ فإن العدل إذا لم يتداع الناس لإقامته لم يبق بعد العدل إلا الظلم الذي به خراب الأحوال وفساد العمران.

ولإقامة هذا الغرض الشريف فإن القاضي لا بُدَّ له أن يطاع وينفذ أمره، فمقامه ليس كمقام المفتي الذي يخبر عن الحكم، بل مقام الذي يأمر بالحكم ويُلزم به. وله في الناس خصمان: ظالم يسطو على حق غيره، وتقي تشتبه عليه الأمور حتى يحسب الحق له وهو لخصمه، أو يكون الحق له غير أن البينات لا تُسعفه، وغاية القاضي أن يحكم بالظواهر فلا يطلع على البواطن.

والقاضي من هذين في بلاء عريض، وكان شريح القاضي (ت ٧٨ هـ) إذا قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف الناس عليَّ غضاب (١). فكان لا بُدَّ للقاضي في ذلك من احتمال الناس والصبر على أذاهم، وقد انتهى إلينا من أخبار القضاة في جميل حلمهم وصفحهم وإغضائهم عما ينالهم في أنفسهم من الأذية ما راح بعضه مجرى الأمثال، حتى قيل في ترجمة القاضي أبي عمر محمد بن يوسف الأزدي (ت ٣٢٠ هـ) إن الإنسان (إذا بالغ في وصف رجل قال: كأنه أبو عمر القاضي، وإذا امتلأ الإنسان غيظًا قال: لو أني أبو عمر


(١) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>