ببناء الفعلين للمفعول يعني أن المصيب واحد في المسألة الفرعية التي دليلها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها المجتهدون لعدم علمهم بذلك القاطع ولابد أن يكون قاطعًا من جهة المتن والدلالة معًا بأن يكون صريحًا متواترًا فالمصيب فيما ذكر واحد اتفاقًا وهو من وافق ذلك القاطع وقيل على الخلاف في كون كل مجتهد مصيبًا أو المصيب واحد لا بعينه وقد يعلم كعلي كرم الله وجهه مع معاوية رضي الله تعالى عنهما فإن قلنا بالأول كانا مصيبين وإن قلنا بالثاني فالمصيب على كرم الله وجهه قطعًا إلا أن هذه ليست من القطعيات ولا يأثم المخطئ في المسألة الفرعية القطعية على الأصح بناء على أن المصيب فيها واحد والقولان لمالك في شارب النبيذ قال في الآيات البينات فإن قلت هذا يشكل بإثم المخطئ في العقليات بجامع القطع في كل منهما قلت الفرق ضعف هذا الدليل بدليل الإجماع على اتحاد الحق في العقليات والاختلاف في اتحاده هنا كما أشار إليه في التلويح. انتهى.
والقول بإتحاد المصيب في الفرعية التي فيها قاطع يمكن توجيهه كما في الآيات البينات فإن القاطع يعين مدلوله قطعًا فلا يمكن تعدده وجعله تابعًا لظن المجتهد ويوجه القول الثاني بأن الدليل القاطع قد لا يعين مدلوله لمصاحبة عوارض وشبهات تمنع تعيينه ويرد على هذا التوجيه أن الخطأ ممكن أيضًا في العقليات كما تقرر في محله إلا أن يفرق بأن احتمال الخطأ في العقليات أقل وأضعف:
وهو آثم متى ما قصرا ... في نظر وفقًا لدى من قد درى
يعني أن المجتهد متى قصر في نظره في مسألة إثم اتفاقًا لتركه الواجب عليه من بذل وسعه فيه وعبرنا بقولنا في نظر بدل قول بعضهم في اجتهاده لأن النظر المقصر فيه لا يسمى اجتهادًا إذ الاجتهاد إستفراغ الوسع ولا إستفراغ مع التقصير:
والحكم من مجتهد كيف وقع ... دون شذوذ نقضه قد امتنع
يعني أن حكم المجتهد في الاجتهاديات يمتنع نقضه حيث ظهر له أن غيره أصوب منه كيف وقع المجتهد أي سواء كان مجتهدًا مطلقًا أو مقيدًا