وفي نهاية السنة الدراسية القسنطينية ٣٢ - ٣٣ لم نستقبل الفضيل الورتلاني وحده، ولكننا استقبلنا أفواجا من (الذين رجعوا الينا) بألسنة لاهجة، وعقول نيرة، وأفكار مشعة، وشباب أدرك مفهوم النضج الحقيقي الذي يتوقون اليه، ولاحظنا التغيير المفاجئ، الذي عاد به زملاؤنا من خلال سنة دراسية واحدة.
فهنا لا مناص من أن تستجيب للدعوة مجموعة أخرى من الطلبة الذين كنت أنا من بينهم.
وبهؤلاء وأمثالهم في كل جهات القطر انبثت الحركة الاصلاحية، وانبعثت النهضة العلمية، وازداد انتشارها بسرعة البرق، حتى غزت أوكار الطرقية التي انتشرت في أنحاء البلاد، وجذبت أبناءهم وأبناء مشائخ الزوايا، وأبناء الفقهاء انصاق الطرقيين، وحركت نفوسا جامدة منهم، وأحيت جذورا ميتة، أخذت تلح على الخروج من التقوقع والانكماش الى السطح، ومن حياة الركود والسكون الى حياة النضال والكفاح، ومن الخمول والجمود الى الحركة والنشاط.
وحين عدت الى مذكراتي، مذكرات الصبا، ومذكرات ثلاث سنوات كانت ضمن كراسات التلمذة بقسنطينة وهي مذكرات النضج والبلوغ، ومذكرات ربيع العمر الذي يذكرني به هذا الكراس الضخم ذو الغلاف المزين الذي يحمل اسم متجر (كلوب) بقسنطينه سارع فرانسا.
قلت عدت الى هذه المذكرات لأراجعها واستخلص سمينها من غثها، وصوابها من خطئها، فعثرت من بينها على غرر كنت محتفظا بها طيلة