للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد عاب النقاد قول الكتاب (وإني لأشاركك أحزانك) بحذف الجار وتعدية (المشاركة) إلى مفعولين حملاً على (المشاطرة) فهل هذا صحيح؟ أقول إن حذف الجار هنا من قبيل الحذف والإيصال إذا صح، لكنه ليس صحيحاً لأن حذف الجار سماع وليس قياساً، كما تقدم، فليس حمل المشاركة على المشاطرة سائغاً أو مستقيماً، فإذا أخذت به كنت آخذاً بفاسد. فقولك: (شاركت في كذا) يعني أنك شريك فيه، تقول أنا شريكك فيما عراك من هذه النائبة وفيما نالك وفيما ضربك وفيما دهاك، كما قال الهمذاني في ألفاظه الكتابية. وتقول بمعناه: أشاركك فيما عراك ونابك وفيما ضربك ودهاك. قال الشاعر:

إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي يكون قليلاً لم تشاركه في الفضل

وهو من أبيات ديوان الحماسة.

ولكن جاء في المقامة الشيرازية لأبي الفضل بديع الزمان الهمذاني: "قد أرضعتك ثدي حرّته، وشاركتك عنان عصمته"، فهل يعوّل على هذا في تعدية المشاركة إلى مفعولين إذا صح أنه نص معتمد؟ أقول لا يعوّل على هذا، وقد يكون الهمذاني قد دُفع إليه قصد المزاوجة بين (ثدي حرّته) و (عنان عصمته) وإحكام السجع، وقد أجاز الأئمة للشاعر والساجع ما لم يجيزوه للناثر. قال ابن جني: "فإن صح عندك أن العرب لم ينطق بقياسك أنت، كنت على ما أجمعوا عليه البتة" وأردف: "وأعددت ما كان قياسك أدّاك إليه لشاعر مولّد أو لساجع أو لضرورة، لأنه على قياس كلامهم، بذلك وصَّى أبو الحسن – الخصائص – ١/١٣٢". وقال الإمام ابن بري في كتابه (اللباب في الرد على ابن الخشاب) منتصراً لأبي محمد القاسم الحريري صاحب المقامات: "اعلم أن للسجع ضرورة الشعر وأن له وزناً أيضاً هي ضرورة الوزن في الشعر، في الزيادة والنقصان والإبدال.."

<<  <   >  >>