هذا ولا شك أن المستحب من قياس النحو هو ما اعتمد لوضع القاعدة واستنباط الحكم فأفاد في تهذيب اللغة وتشذيبها. والذي اتخذ لتعليل الظاهرة اللغوية فكان وسيلة إلى وعي نظم اللغة وتعليمها. ويرتكز مثل هذا القياس على ما أسموه (العلة التعليمية) و (العلة القياسية) .
أما العلة التعليمية فقولك هذا مرفوع لأنه فاعل، وذاك منصوب لأنه مفعول به. وأما القياسية فالتي تقوم على اشتراك المقيس والمقيس عليه فيما تصوروا أو ظنوا أنه علة موجبة للحكم فيهما، كحملهم بناء اسم (لا) النافية للجنس، على بناء (خمسة عشر) .
وتتعدد الآراء في تحديد العلة القياسية فتختلف باختلاف وجهات النظر والاعتبار. وقد تتجاذب الحكم الواحد علتان أو أكثر فيبنى على قياسين أو أكثر. كما يتأتى أن يكون حكمان متضادان في المسألة الواحدة فتقتضيهما علتان مختلفتان، فيُبنى كل منهما على قياس.
كما مثل له ابن جني في الخصائص (١/١٧١- ط ١٩١٣) . ومن ثم ذهب المجددون في النحو إلى إنعام النظر في هذه العلل، والعمل على الاهتداء إلى الأشمل منها في الحكم، والأظهر في التعليل، والألصق بالعربية.
ومهما يكن من شيء فإن القياس الذي استند فيه إلى إحدى العلتين التعليمية والقياسية، إنما يجانس طبيعة اللغة وخصوصها، دون القياس الذي اعتمد على العلة الجدلية النظرية فنحا نحو الفلسفة واتسم بسمتها، وغدا صناعة أو رياضة عقلية ونشاطاً ذهنياً، بل جُعل التعليل فيه أصلاً وغاية، لا وسيلة وحاجة. وبين القياسين من التفاوت والتنافر ما لا خفاء به ولا لبس. فقولك (إن وأخواتها) أشبهت الفعل المتعدي إذا تقدم مفعوله على فاعله، فنصبت اسمها ورفعت خبرها، كما نصب الفعل مفعوله ورفع فاعله، قولك هذا تعليل قياسي. لكن إيغالك في البحث عن وجه هذا الشبه، وقولك إن (إن) تشبه الفعل لفظاً لأنها ثلاثية، ومعنى لأنها تفيد التوكيد، فإذا خُففت ذهب شبه الفعل فقل عملها، قولك هذا تعليل جدلي نظري.