تألق النحو أول ما تألق في البصرة قبل أكثر من اثني عشر قرناً ثم تبعتها الكوفة بعد أن تلمذت لها فكان لها سماتها ورواسمها. وقد مدتا بغداد بمعينها فبزغ في النحو نجم بغداد وهبت رياحها. ثم حذت مصر هذا الحذو فتلمذت للعراق وبعثت بوافديها إليها منذ أواخر القرن الثاني للهجرة، ومن هؤلاء آل المصادري وأولهم الوليد بن محمد التميمي المصادري الذي لقي الخليل في البصرة وأخذ عنه، وابنه أبو الحسن محمد بن الوليد الذي انتسخ كتاب سيبويه في بغداد، وقابل ما انتسخ بما احتفظ به المبرد من الكتاب، وعاد بالنسخة إلى مصر ليقرئها طلابه.
ووفد أبو العباس المصادري ابن أبي الحسن إلى بغداد ليلقى بها أبا اسحاق الزجاج في أواخر القرن الثالث الهجري وأخذ عنه، وخلفه أخوه أبو القاسم في إقراء كتاب سيبويه وكان دون أخيه في العلم.
وتبع هؤلاء أبو علي الدنيوري (ت ٢٨٩) وقد أقام بمصر زمناً ثم قصد البصرة فلقي بها المازني وأخذ عنه كتاب سيبويه، ثم قصد بغداد وتلمذ لثعلب فأخذ عنه نحو الكوفية ثم مال إلى المبرد فسحر ببيانه، وعاد بعد هذه الرحلة إلى مصر ليذيع فيها نحو البصريين ويشيعه..