فقد استقر بما ذكرنا أن التصرف في أفعال المشاركة على الوجه المذكور لا ينقض أصلاً ولا تأباه طرائق العربية، فقد جاء اتفق معه واجتمع معه في نصوص المعاجم، وتلاقوا معه والتقوا معه واتحدوا معه وانتظم معه وأمثاله في كلام الفصحاء. وقد صح هذا عند المحققين من الأئمة إذ لم يتعقبوا هذا التصرف على قائله، ولا ردوه إلى الشذوذ، أو قالوا بتوهين ما جاء على مثاله، بل وجدوا فيه وجهاً صالحاً ومذهباً متقبلاً، كما فعل ابن بري وسواه، وقد أدرك به الكتاب حاجتهم في التعبير، ولو خفي عليهم ما حكينا وفسرنا من أمره. وأنت إذا التمست أمثال هذا التصرف في كلام الأئمة المتقدمين وتتبعتها في مصنفاتهم، هدتك إلى نفسها ودلتك على سر استعمالها، وكلها في هذا الباب شرع واحد، وما يتوجه على أحدها يتوجه على الآخر. ومن ذلك شيوع قولهم (اشترك معه) . فانظر إلى ما جاء في سر الفصاحة لأبي محمد بن سنان الخفاجي:"فهذا منتهى ما نقوله في الألفاظ بانفرادها واشتراكها مع المعاني /٢٢٢"، وما جاء في زهر الآداب لأبي إسحق الحصري القيرواني:"قال أبو الفرج قدامة بن جعفر معنى أبيات زهير الأولى: لما كانت فضائل الناس، من حيث هم ناس، لا في طريق ما هم مشتركون فيه مع سائر الحيوان.. إنما هي العقل والعفة والعدل والشجاعة، كان القاصد للمدح بهذه الأربعة مصيباً، وبما سواها مخطئاً ٢٢/٧١". وانظر إلى قول ابن جني في الخصائص (١/٤٥٣) بعد كلامه على تداخل الأصلين الثلاثي والرباعي: "أما تزاحم الرباعي مع الخماسي فقليل، وسبب ذلك قلة الأصلين جميعاً". وأصل الكلام عند النحاة (أما تزاحم الرباعي والخماسي) . وليس من هذا بسبيل قول الجاحظ:"تشاغلت مع الحسن بن وهب أخي سليمان بن وهب بشرب النبيذ أياماً، فطلبني محمد بن عبد الملك لمؤانسته –زهر الآداب- ٢/١٨٤". إذ ليس (تشاغل) ها هنا من أفعال المشاركة بدليل قولك (تشاغلت) وإسناده إلى واحد كتمارضت وتغابيت وتعاميت وتحامقت. قال الشاعر: