كان نحاة الأندلس يقتفون في الغالب أثر نحاة المشرق ويأتمون بهديهم ويتعلقون بهم تعلق الفرع بالأصل ويتطلعون إليهم تطلع التلميذ إلى أستاذه. وكثيراً ما كان يرتحل علماء الأندلس إلى المشرق لينهلوا من موارده ويعودوا إلى موطنهم ليقرئوا ما قرؤوه. ومن هؤلاء عبد الملك بن حبيب ومنذر بن سعيد البلوطي وابن الفرضي وأبو الوليد الباجي. وقد كان يحدث العكس فقد دأب حكام الأندلس على استقدام كبار علماء المشرق في اللغة والأدب. ومن أظهر من وفد إلى الأندلس من هؤلاء أبو علي القالي صاحب كتاب الأمالي (٢٨٨-٣٥٦هـ) . فقد ولد بأرمينية ونشأ فيها وقصد بغداد ينهل فيها اللغة والأدب ثم يمم شطر الغرب أقصى الغرب ليتولى التدريس في الأندلس. وقد أفاد المغرب من موقعه بين المشرق والأندلس فكان محط العلماء الوافدين إلى الأندلس والآيبين إلى المشرق، وكثيرون هم الذين تعلقوا بالمغرب فجعلوها وطناً لهم.
وقد شهدت الأندلس كثيراً من أهل اللغة كأبي موسى الهروي وقد كان لغوياً فقيهاً، ارتحل إلى المشرق فلقي مالكاً من الفقهاء والأصمعي وأبا زيد الأنصاري من علماء اللغة. كما ارتحل جودي بن عثمان الموزوري فعاد بنحو الكوفيين، ولقي من أعلامهم الكسائي والفراء. وقام ثابت بن عبد العزيز السرقسطي وابنه قاسم بزيارة المشرق فحملا إلى الأندلس معجم العين للخليل بن أحمد، وقد قام باختصاره من علماء الأندلس أبو بكر الزبيدي (٣٧٩هـ) .
وقد تجلت محاكاة الأندلسيين للمشرقيين في كثير مما ألفوا. وهذا العقد الفريد ومؤلفه الأندلسي ابن عبد ربه، فقد قال الصاحب بن عباد حين ظفر بالكتاب:(هذه بضاعتنا ردت إليها) .