للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حين اعتدّوا فعل الكون المضارع زائداً لا يفيد في موقعه معنى. أقول أن دعواه هذه فيها نظر، ذلك أن اللغات الحديثة، ومنها الآرية، تستعين بأفعال مساعدة في الإسناد كفعل الكون والملك. وهو أمر معروف. ولكن ما بال الجواري يقتاس للعربية وطرائقها في الإسناد بما تستن به اللغات الأخرى كالآرية، وينهج لها في التعبير سبيلها. وكيف اتفق له أن يتحقق أن العربية إنما كانت تجري على أسلوب هذه اللغات وتحاكيها في طريقة الإسناد. وهو لو برهن في أن اللغات الأكادية والآشوية والبابلية والكنعانية والآرامية من أخوات لغتنا العربية، بل لهجاتها الموغلة في القدم، إنما تستعين بأفعال مساعدة وأن العربية كانت تحذو حذوها وتطبع على غرارها لكان له في ذلك وجه صالح ومذهب متقبل، ولم يتحدث المتخصصون في هذه اللغات عن شيء من هذا القبيل.

ولا ننسَ أن ما خُصَّت به العربية من ظاهرة الإعراب الذي تتكشف عن علاقة أجزاء الجملة بعضها ببعض قد أسقطت عنها ضوابط كان لا بد للغات غير المعربة من التزامها، فتميزت بذلك أصول كل منهما في التركيب بسمات خاصة بها. وقد أشار الدكتور محمد خير الحلواني إلى نحو من هذا فقال: "والأعراب بهذه الوظيفة أغنى اللغة العربية عن أن تجعل تركيبها ذا حدود صارمة مقيَّدة لا يمكن تجاوزها والخروج على أعرافها، كما هو الحال في اللغتين الفرنسية والإنجليزية ومن هنا لم يكن التركيب فيها بحاجة إلى فعل الكون، أو إلى فعل مساعد، كما لم تكن به حاجة إلى تقديم الفاعل وتأخير المفعول تقديماً واجباً، ولا يشترط أن يكون الاسم قبل الفعل المخبر عنه، لأن صرامة التركيب جاءت في اللغتين الفرنسية والإنكليزية تعويضاً عن فقدان الأعراب الذي كان لأمِّهما اللاتينية والجرمانية اللتين تفرَّعتا عنهما –مجلة الفيصل /العدد: ٣٧".

<<  <   >  >>