للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا أمكن في العربية تقديم المفعول على الفاعل وتأخيره، كلما أملت دقة التعبير ودعا إليه وجه الأداء، وكان من شأن الأعراب أن يكشف عن الفاعل والمفعول على السواء، خلافاً للغتين الفرنسية والإنكليزية حين أوجبتا تقديم الفاعل وتأخير المفعول. ففي التنزيل

?إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ –فاطر /٥٨?، وقد بدا بالإعراب فاعلية (العلماء) ومفعولية (لفظ الجلالة) ، وكشفت عن ذلك القرنية المعنوية. فالخشية إنما تقع من العلماء، وقد نُزِّه الله عن الخشية. وفي تقديم المفعول، وهو اسم الله، غرض هو الإخبار بأنَّ الذين يخشون الله هم العلماء خاصة دون سواهم، فقد قصد بتقديم المفعول حصر الفاعلية، ولو أخِّر لا نعكس الأمر، أي لو قيل: (إنما يخشى العلماء الله) لفُهم أن المخشيّ هو الله دون غيره، ولا تكون الخشية مخصوصة بالعلماء، مقصورة عليهم، بل يشارك فيها غير العلماء، فهم يخشون الله وقد يخشون سواه، خلافاً للعلماء فهم لا يخشون سواه.

وهكذا قوله تعالى: ?وإذا ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً /البقرة ١٢٤?. فالفاعلية للفظ الجلالة والمفعولية لإبراهيم، وقد دلَّت على ذلك قرينة المعنى، فالمبتلي هو الله، والضمير لإبراهيم لتقدّمه لفظاً وإن تأخر رتبة، إذ يكفي أن يتقدم مرجع الضمير لفظاً أو رتبة. وأنت تقول: (أخطأني الحظُّ) فتعلم أن الفاعل هو الحظ، وقد تقدم عليه المفعول، كما تقول: (أخطأت الحظَّ) فتعلم أن الحظ هو المفعول، وقد تقدَّم عليه الفاعل.

أما دعوى الجواري أن العربية قد عرفت الاستعانة بفعل مساعد في طور من أطوارها بدليل قول أم عقيل "أنت تكون ماجدٌ نبيلُ" برفع (ماجد نبيل) على أنه خبر للمبتدأ، فليس ذلك باليقين الثابت بالدليل المقنع.

زيادة (كان) في كلام العرب في غير موضع زيادتها:

<<  <   >  >>