للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد عرضت لهذا في كتابي (مذاهب وآراء في نشوء اللغة وتدرج معانيها /١١١) ، إذ جاء فيه: "ولا يخفى أن النحو عند الأوائل هو علم العربية الذي يُعرف به وجهة كلام العرب وما يقصدون إليه في التعبير عن أغراض النفس. وقد أشار إلى ذلك الأشموني حين قال: وهو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، كما أشار إليه ابن عصفور في المقرّب حين ذكر أن المراد هنا بالنحو قولنا علم العربية، لا قسيم الصرف، أه‍. أما عند المتأخرين فقد غدا النحو غالباًً: علم الاعراب والبناء، كما نبه عليها الصبَّان حين قال: واصطلاح المتأخرين تخصيصه بفن الإعراب والبناء وجعله قسيم الصرف، وأردف: وعليه فيعرف بأنه علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناء، وموضوعه الكلم العربية من حيث ما يعرض لها من الإعراب والبناء. أه‍.وهكذا تحوَّل النحو مما كان عليه من البحث في صحة تأليف الكلم للتعبير عما في النفس من أغراض، إلى البحث في ضبط الأواخر إعراباً وبناءً، ضماناً لسلامة اللسان من اللحن، وبسط الكلام في عوامل ذلك والإسهاب في تعليله بالجدل النظري، فبد النحو وقد غار ماؤه وشاه بهاؤه وساء مذاقه، وإلا فإن توكيد العناية بالمعاني كان يوجب دراسة اللفظ في تركيب الجملة بدراسة موقعه من التركيب عامة من حيث اتصاله بالأجزاء الأخرى وتأثره بها وتأثيره فيها، ثم دراسة الجملة مجتمعة الشمل من حيث صورة التعبير وأسلوبه، وقد جرد النحو من هذا كله وخصصت به علوم البلاغة كالمعاني والبيان ... ".

<<  <   >  >>