للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان (١٨٠هـ‍) أمام هذا العلم وعَلَم أعلامه، قد ضمَّن كتابه أبواباً جُعِلتْ بَعْدُ مادةً لعلم المعاني، فأشار بذلك إلى أن هذه الأبواب ملازمة للنحو لا تنفك عنه بحال من الأحوال. قال سيبويه: "هذا باب تخبر فيها عن النكرة بالنكرة، وذلك قولك: ما كان أحد مثلك، وليس أحد خيراً منك، وما كان أحد مجترئاً عليك. وإنما حسن الإخبار ها هنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون مثل حاله شيء، أو فوقه، فإن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا. وإذا قلت: كان رجل ذاهباً، فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله، ولو قلت: كان رجل من آل فلان فارساً، حَسُنَ، لأنه قد يحتاج إلى أن تُعلمه أن ذاك من آل فلان، وقد يجهله. ولو قلت كان رجل في قوم فارساً، لم يحسُن، لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا فارس، وأن يكون من قوم، فعلى هذا النحو يحسن ويقبح ... ١ /٢٦ و٢٧".

فقد تجاوز سيبويه في كتابه مادة النحو، في هذه المرحلة، إلى ما أسموه بعد بعلم الصرف وعلم المعاني وعلم البيان وعلم العروض وعلم الأصوات وعلم القراءات، من علوم العربية، بل علم النقد الأدبي، ذلك لتلازم هذه العلوم واستحالة انفكاك بعضها من بعض، فجاء كتابه متضمناً كل ما يُستعان به على فهم كلام العرب والكشف عن سر تأليفه. وإذا عمد علماء العربية في دراساتهم بعد إلى تخصيص كل علم منها بمادة وموضوع للغوص على جزئيات كل من هذه العلوم، فلا يعني ذلك إمكان الفصل بينها في التماس فهم كلام العرب، ففي كل علمٍ منهما تمام للعلم الآخر، بل جلاء لأسراره ودقائقه.

<<  <   >  >>