للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا شك في أن ما جاء به سيبويه، ها هنا، ونحوه مما ذكره في مواضع أخرى من كتابه، قد أوحى إلى الجرجاني ما أوحى، في كتابه (دلائل الإعجاز) مما يتصل بعلم المعاني. وقد تحدث الجرجاني عن معاني النحو، ونبَّه على أن النظم، وهو موضوع الكلام بشكل من الأشكال، إنما يتوخى هذه المعاني. وإذا كان العلماء قد قصروا الحديث عن المعاني المذكورة، على ما أسموه بعلم المعاني، فإنهم لم يوفقوا في فصله عن النحو، جملة وتفصيلاً، لأنه نوره الذي به يُهتدى إلى صوغ الكلام وإحكام البيان.

وقد وفق الجرجاني حقاً في الكشف عن اتصال النحو بالبلاغة خاصة وتلازمهما. وقد حذا هذا الحذو ويمم هذا السمت الإمام أبو يعقوب السكاكي (ت ٦٢٦هـ‍) في كتابه (مفتاح العلوم) فقد تحدث فيه عن علوم البلاغة فجعل ما تعلق منها بمطابقة الكلام لمقتضى الحال والتتبع لخواص تراكيب الكلام مادة علم البيان، وما اختص بوجوه تحسين الكلام، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال ووضوح الدلالة مادة البديع، فهو أخص من علمي المعاني والبيان، لكنه قال في مقدمة كتابه: قد ضمنت كتابي هذا من أنواع الأدب، دون نوع اللغة، ما رأيت أن لا بد منه، وهذه عدة أنواع متآخذة، فأودعته علم الصرف بتمامه وأنه لا يتم إلا بعلم الاشتقاق.. وأردف: "وأوردت علم النحو بتمامه، وتمامه بعلمي المعاني والبيان ... "، فدلَّ بذلك على تعلق النحو بعلم البلاغة وتأكيد مهمة اللغة في الأداء والإبلاغ.

<<  <   >  >>