للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان النحاة قد ميزوا قولك (خالد جاء) من قولك (جاء خالد) فأسموا الأول جملة فعلية والثاني جملة اسمية، ولم يتطرقوا صراحة إلى الكشف عن الفرق بينهما في أداء المعنى، وانصرفوا إلى الاهتمام بالصناعة اللفظية، فقد جاء الجرجاني ليكشف عما قصَّر النحاة غالباً في إيضاحه والإفصاح عنه، من حيث اختلاف الأداء في كل من الجملتين. ولا يخفى أن (خالد جاء) جملة اسمية مركبة، تتألف من مبتدأ ومن خبر هو جملة فعلية، فإذا أردت الجملة الاسمية البسيطة قلت (خالد آتٍ) . أما (جاء خالد) فهو جملة فعلية وحسب.

وانظر إلى ثقوب رأي الجرجاني وبعد غوره، بل أصالة فكره، في الإشارة إلى المواضع التي يدعو فيها الأداء إلى تقديم الفاعل ليكون مبتدأ. قال الجرجاني في دلائل الإعجاز (ص /٩٩) : "واعلم أن هذا الذي بات لك في الاستفهام والنفي من المعنى في التقديم، قائم مثله في الخبر المثبت. فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدّث عنه بفعل فقدمت ذكره ثم بنيت الفعل عليه فقلت: زيد قد فعل وأنا فعلت وأنت فعلت، اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل، إلا أن المعنى في هذا القصد ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: جليٌّ لا يشكل، وهو أن يكون الفعل فعلاً قد أردت أن تنص فيه على واحد فتجعله له، وتزعم أن فاعله دون واحد آخر، أو دون كل أحد. ومثال ذلك أن تقول: أنا كتبت في معنى فلان، وأنا شفعت في بابه، تريد أن تدعي الانفراد بذلك.. وتزيل الاشتباه فيه، وتردد على من زعم أن ذلك كان من غيرك، أو أن غيرك قد كتب ما كتبت.

ومن البيِّن في ذلك قولهم في المثل: أتعلمني بضبٍّ أنا فرشته؟

<<  <   >  >>