للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلكل من هاتين الجملتين شأن في التعبير، وموضع من الأداء، لا تسد مسدَّه الجملة الأخرى، إذ ليس يكفي أن تتفق العناصر التي تتألف منها كل من الجملتين، بل ينبغي أن يتفق فيهما موضع كل عنصر من الآخر، وليست هذه الحقيقة وقفاً على اللغة العربية.

ذلك أن قولك (جاء خالد) و (نام الولد) في الجملة الفعلية، قد دلَّ على مسند أو خبر لم يطرق أذن السامع، ولم يسبق ذكره في سياق الكلام. فإذا ذكر الخبر أي المسند انتظر السامع ذكر الذي أسند إليه، وهو الفاعل، وإذا ذكر هذا اتصل بفعله فأصبح جزءاً منه.

أما قولك (خالد جاء) أو (الولد نام) في الجملة الاسمية، فقد دلَّ على مسند إليه قد ذكر في السياق، ومسند أو خبر معلوم يرادُ التوثق من إسناده إليه. قال الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١هـ‍) في كتابه (دلائل الإعجاز) : "لا تؤتى بالاسم مُعرَّى من العوامل إلا لحديث قد نُوي إسناده إليه /٧٧". وقد أسند الخبر إلى ما هو موضوع الكلام، وهو (خالد أو الولد) وحُمل عليه دون أن يتصل اتصال الفاعل بفعله. وان ما قدمناه في الموازنة بين دلالتي الجملة الاسمية والفعلية من مذهب لغوي متكامل للإمام الجرجاني قد أتى به منذ القرن الحادي عشر من الميلاد، وجاءت المذاهب الحديثة تعزز مذهبه هذا وتؤيده.

وإنا لنسأل كل من قال بالتسوية بين (خالد جاء) و (جاء خالد) ، ألست تقول (خالد جاء) فتحدَّث السامع عن (خالد) ، وقد جاء ذكره بينكما وبات السامع ينتظر منك أن تحدثه عنه، فإذا أخبرته بمجيئه أَزَلْتَ الشك لديه في حقيقة مجيئه؟ كما تقول (جاء خالد) فتبادر السامع بإخبارك إياه عن مجيئه دون أن يقتضي ذلك تقدم ذكره، فكيف يستوي القولان في التعبير إذاً؟ ولا تستوي العبارتان في أداء معنى، ما لم تتفقا في البنية وتتطابقا في البنية وتتطابقا في موضع كل جزء من أجزائها.

<<  <   >  >>